اما وقد وضعت عملية تشكيل الحكومة على السكة، بانتظار ان يتم انتقاء ركاب القطار، وقبل ان نعرف من سيجلس على كرسي البيئة، لا بد من الإشارة الى نوع المهام وحجم الملفات البيئية التي تنتظر الحكومة مجتمعة ووزير البيئة تحديدا.
ليس مهما التعويل على الفريق السياسي الذي سيختار حقيبة البيئة، فقد ظهر واضحا في الفترة الأخيرة، كما في كل الفترات السابقة المتعلقة باستحقاقات تشكيل الحكومة، ان كل الفرقاء السياسيين دون استثناء يتهافتون على ما بات يسمى الوزارات السيادية والخدماتية، ويتهربون من وزارة البيئة، لصغر ميزانيتها أولا، بحسب اعتقادهم، وكون ما يسمى «الخدمات» فيها، تعني مساعدة الملوثين على التهرب من الالتزام بالقوانين والمعايير، وكونها أيضا وزارة غير شعبية... بالإضافة الى تفاصيل أخرى كثيرة.
في جميع الأحوال، ستكون المهمة صعبة على أي فريق يمكن ان يحمل عبء هذه الحقيبة. فكل الملفات البيئية التي كانت مطروحة منذ ما يقارب 20 سنة، لا تزال هي نفسها من دون حلول، لا بل تفاقم معظمها بشكل كبير جدا، وقد أصبحت غير قابلة للمعالجة، ولا سيما ملف ادارة النفايات على انواعها، وملف المقالع والكسارات والمرامل التي لا تزال تعمل بشكل فوضوي بالرغم من المراسيم والقرارات التنظيمية غير المسؤولة ولا الجدية، بالاضافة الى ملف تلوث الهواء في ظل فلتان المراقبة لمصادر الانبعاثات، بالاضافة الى تلوث المياه وسوء إدارتها، وعدم تدشين أي محطة لمعالجة الصرف الصحي، وتراجع المساحات الخضراء بفعل الحرائق وفوضى العمران، وعد م ترتيب الاراضي، واستمرار الاعتداءات على الاملاك العمومية ولا سيما الاملاك البحرية والنهرية ومشاعات القرى، بالإضافة الى فوضى المحطات الفضائية المتسببة بتموجات لم يتم رصدها ولا وضع الاطر والمواصفات لتنظيمها، بالإضافة الى الاتجار بالنباتات والحيوانات البرية وتعريض التنوع البيولوجي في لبنان لخطر اختلال التوازن... الخ
ولعل مشكلة المشاكل هي في غياب الدولة كجهاز اداري وسلطة متكاملة ومتماسكة ومسؤولة. ومن ثم غياب تقسيم العمل والمسؤوليات بين الوزارات والسلطات، وغياب الاستراتيجية الجامعة، التي كان يفترض ان تضعها وزارة البيئة.
فما هي الملفات الرئيسية التي يفترض ان تواجه وزير البيئة الجديد والحكومة الجديدة مجتمعة؟
غياب الاستراتيجية
منذ ما بعد اتفاق الطائف وعودة الدولة، منذ انشاء وزارة البيئة في لبنان، لم يتم وضع استراتيجية لكيفية ادارة الموارد الطبيعية. وقد مر على هذه الوزارة وزراء كثر، من دون ان يهتموا بوضع الاستراتيجيات وقد ضاعوا بين تراكم الملفات وتلبيت طلبات مواعيد اصحاب الاستسمارات والسماسرة البيئيين وتلقي عروضهم لمعالجة بعض الملفات، من دون ان يكون لهذه الوزارة استراتيجية يحدد من خلالها الرؤية والاولويات ومبادئ المعالجة والبرامج ومنهجيات العمل والاطر القانونية والتنظيمة اللازمة... الخ
وقد حصل حوارات مرات عدة حول الموضوع كانت تصطدم اما بادعاءات وتبجحات من الادارة، واما بالجهل بالمواضيع الاستراتيجية، واما بالسجال حول كيفية تطبيقها في بلد لا يعيش ظروف طبيعية على جميع المستويات، واي استراتيجية بيئية تحتاج الى تعاون معظم الوزارات التي تكون عادة ممثلة بوزراء من تيارات سياسية مختلفة وغير متعاونة. وبالرغم من صحة هذه الحجة، الا ان ذلك ما كان يجب ان يعفي وزارة البيئة من المحاولة ووضع المسودات ومناقشتها مع من يعنيهم الامر. وهذا ما ننتظره من الوزير الجديد ومن الحكومة الجديدة.
ترتيب الاراضي وتنظيم المدن
بعد سنوات من المطالبة بضرورة وضع مخطط توجيهي شامل لترتيب الاراضي في لبنان، كان يفترض ان يكون من مهام مجلس الانماء والاعمار الاولى، او من مهام وزارة التخطيط التي كان يفترض ان تكون موجودة وتهتم بالتصدي لهذا الموضوع الاستراتيجي، تم عرض المخطط على حكومة تصريف الاعمال وإقراره منذ فترة، ولكن من دون ان يتم تحريك القوانين والمراسيم والقرارات التي يفترض ان تصدر عنه او تطبيقا لبعض توصياته وبنوده. مع العلم ان هذا المخطط لم يكن شاملا، وقد تجاهل التطرق الى الكثير من القضايا الحساسة، ان لناحية تغييب اي فكرة عن كيفية حل الاعتداءات على الاملاك العمومية، او على الاماكن السياحية، او كيفية معالجة تشوهات المقالع والكسارات وفوضى العمران في الكثير من المناطق التي تسبب ببعضها التنظيم المدني، بالاضافة الى عدم وضع خريطة عن امكانيات الاستفادة من الطاقات المتجددة في لبنان مثل الشمس والرياح والمياه وامواج البحر في لبنان. وهذا ما ينتظر استكماله من الحكومة الجديدة.
ازمة النفايات المستمرة
لم يحصل أي تطور ايجابي في ظل الحكومة السابقة بالنسبة الى ادارة ملف النفايات في لبنان، سواء تلك الصناعية او المنزلية. وقد حصل تطور اكثر سلبية من السابق حين تأثر وزير البيئة طوني كرم بآراء بعض الشركات التي طالما قدمت عروضا لحرق النفايات، وبدأ يعد العدة لتقديم الدراسات. مع العلم ان هذا الخيار كان قد الغي كليا من لبنان بعد تجربة محرقة العمروسية السيئة، التي احرقها الاهالي، وبعدما بينت الدراسات المحايدة غير المرتبطة بشركات مروجة لهذه التقنية، ان نسبة المواد العضوية الرطبة من نفايات لبنان المنزلية عالية جدا مما يصعب عمليات الحرق، بالاضافة الى الكلفة العالية لانشاء مصانع الحرق (اقتراح انشاء 4 محارق في لبنان بحسب الوزير كرم) ، بالاضافة الى كلفة الصيانة العالية، بالاضافة الى المشاكل التي تتركها عمليات الاحتراق ولا سيما التلوث بمادة الديوكسين المسرطنة.
مع الاشارة الى ان هذا الملف لا يزال يعمل في بيروت وجبل لبنان وفق «الخطة الطارئة» التي وضعت العام 1997 والتي كان يفترض ان يتم استبدالها بخطة وطنية شاملة تقوم على اسس واستراتيجية مختلفة تماما، تقوم على التخفيف من انتاجها عبر اتباع سياسات تصنيعية وضرائبية مختلفة، وعبر الفرز واعادة التصنيع، تتضمن ايجاد حلول للمكبات العشوائية ولا سيما تلك الجبال على الشاطئ في طرابلس وبرج حمود وصيدا.
فشل تنظيم المقالع والكسارت
لا شيء تغير منذ ان أقر مجلس الوزراء في الجلسة المنعقدة بتاريخ 12/2/2009 مشروع تعديل مرسوم تنظيم المقالع والكسارات. وهو بالمناسبة التعديل الثالث منذ العام 2002، والقرار رقم 57 منذ العام 1932، بينها 33 قرارا لمجلس الوزراء منذ العام 1991... وذلك «لمحاولة تنظيم هذا القطاع... دون جدوى»!
وبقي السؤال حول مدى جدية الدولة والوزارة في تطبيق المرسوم الجديد، خصوصا انه يسمح لوزير البيئة والمجلس الأعلى للمقالع بإعطاء مهل جديدة لسنة، قابلة للتجديد سنة اخرى للمقالع والكسارات الواقعة خارج المواقع الجديدة المحددة؟!
وقد ظهر ان الخلفية التي صيغ من أجلها هذا المرسوم، ليست من أجل إيجاد حل نهائي تنظيمي، بل إعطاء مهلة سنتين للمقالع والكسارات غيرالشرعية، ومحاولة تحسين شروط الاستثمار وتخفيف الأضرار واستيفاء بعض الرسوم، بانتظار ظروف أفضل وحل أمثل، لان تعديلات المرسوم الجديد (والأسباب الموجبة التي عرضت على مجلس الوزراء معه) لم تأخذ بالاعتبار جوهر قضية المقالع والكسارات في لبنان. فالمقترحات لم تنطلق من تحديد الحاجة الى هذا القطاع ولم تربط تلك الحاجة بالاستعمالات كلها، ولا بخطط واستراتيجية التنمية المستدامة التي كان يفترض أن تضعها وزارة البيئة. كما ضربت هذه التعديلات عرض الحائط كل الطروحات التي تقدم بها بعض البيئيين المختصين في الملف منذ سنوات (ولا سيما دراسة حزب البيئة اللبناني المقدمة في نيسان 2006)، والتي اقترحت إصدار مشروع قانون للتنظيم بدل المراسيم، وحصر الاستثمار في منطقة مركزية واحدة لحصر الأضرار (التي لا بد منها) ولتسهيل عملية المراقبة والمحاسبة، وتسهيل عملية إعادة التأهيل في ما بعد، وإيجاد شبكة طرق خاصة، وحصر الاستثمار في أملاك الدولة أو المشاعات، لمنع الصفقات المشبوهة التي رافقت هذا الملف، وحصر الافادة الكبرى من عائدات هذا القطاع بخزينة الدولة. واعتماد معايير بيئية وفنية، لا معايير سياسية ومناطقية وطائفية ومصلحية...
كما ان التنظيم الجديد لم يلحظ موضوع تأهيل المواقع المشوهة التي تتجاوز مساحتها اربعة آلاف هكتار. وانه لا يقدر او يحدد الرسوم المتوجب تحصيلها. ولا لحظ كيفية إلزام المشوهين بإعادة تأهيل المواقع على نفقتهم . كما تجاهل ملف كسارات آل فتوش وكيفية حل النزاعات معهم لناحية مراجعة الاحكام والتعويضات.
فهل ينجح المجلس الجديد بحل هذه الإشكاليات؟
سوء إدارة المياه وتلوثها
بالرغم من كل الضجيج حول شح المياه وتلوثها في لبنان، ووضع السيناريوهات المتشائمة لمستقبل هذه المادة الحيوية، الا اننا لا نزال نفتقر لاستراتيجية للمياه، لا تنفصل عن وضع استراتيجية لحفظ وحسن التعامل مع باقي الموارد في الطبيعة، ولا تنفصل عن الرؤية العامة لكيفية ترتيب الاراضي وتقسيمها ايضا. فكلما قل الغطاء الاخضر، زاد انجراف التربة وزاد الجريان بسرعة، وخف التسرب الى باطن الارض وتغذية المياه الجوفية والينابيع المتفجرة.
وفي المعطى الاول لوضع الاستراتيجية، يفترض ان نعرف اولا ما هي مصادر المياه في لبنان وحمايتها.
ثم درس الاستخدامات كافة وكيفية الترشيد فيها، وحجم الهدر في الشبكات وسوء التوزيع؟
اذا قبل ان نتحدث عن القلة والحاجات وضرورة وضع مشاريع للتخزين عبر السدود وغيرها، علينا ان ندرس كيفية التوفير والترشيد في الاستخدامات كافة، ولا سيما بعد اتخاذ الاجراءات الاساسية بحماية المصادر من التخصيص والسرقة والمشاريع المسماة «سياحية» المستهلكة والملوثة.
فمجرد اعادة درس الاستخدامات المختلفة، يتبين ان ضبط تلك المنزلية سهل عبر استبدال العيارات بالعدادات. كما يفترض اجراء تغيرات كبيرة في السياسات السكانية والاسكانية، وتنظيم الاسرة وتحديد النسل وتغيير نظم التربية، نحو ثقافة التوفير لا التنمية.
كما يمكن الزام الصناعات المستهلكة بكثافة للمياه، بإعادة معالجتها وتدويرها واستخدمها في حلقة مقفلة. وترشيد الاستخدامات في الزراعة عبر اعادة تشجيع الزراعات التقليدية البعلية وتغيير طرق الري. وتشجيع التغيير في النظام الغذائي نحو زراعة واستهلاك الاغذية التي لا تحتاج الى الكثير من المياه، والتقليل من تربية الحيوانات في المزارع التي تستهلك الكثير من المياه، والتقليل من استهلاك منتوجاتها من لحوم ومشتقات، والعودة الى النظام الغذائي المتوسطي التقليدي الذي يعتمد على الحبوب والخضار والفواكه، والمنتوجات المجففة... الخ
بالاضافة الى الترشيد في الاستخدامات السياحية.
فإذا كان الخبراء في لبنان، والادارات الرسمية المعنية، لا تملك كل هذه المعطيات الاساسية حول وضع المياه في لبنان، فكيف تتحدث عن الحاجات وتحدد المشاريع للمستقبل؟ ولماذا اختصار كل هذه الاجراءات الممكنة والموفرة والتي تؤمن العدالة في التوزيع لكل الناس... بإجراءات مكلفة كبناء السدود؟ ثم اذا كانت الكلفة المقدرة لبناء السدود المقترحة في الخطة العشرية ما يقارب المليار دولار، لماذا لا يصرف بعض هذا المبلغ لشراء ما يسمى تلك «الحقوق المكتسبة» على المياه، فتبيع الدولة هي المياه لفترة معينة لاسترداد هذا المبلغ، بدل ان يذهب لافراد عبر الشركات الخاصة اليوم؟
السياحة غير المستدامة
لا نزال في لبنان نراهن كل سنة على المواسم السياحية من دون ان نسأل عن كلفة هذه السياحة على الطبيعة اللبنانية. فوزارة البيئة تبدو دائما غير معنية، بينما وزارة السياحة لا تهتم إلا في تشجيع السياحة التقليدية، سياحة الفنادق والمطاعم والمنتجعات وبعض الأماكن الأثرية المكلفة جدا على البيئة اللبنانية والتي لا يستفيد من عائداتها إلا فئات قليلة، بينما يقتصر فهم وزارة البيئة للسياحة البيئية على الاهتمام ببعض المحميات، دون ان تشمل باقي القطاعات ذات العلاقة.
فالسياحة، كما تفهم وتمارس حتى الآن في لبنان، تعني زيادة حتمية في عدد الناس وضغطا استثنائيا على الطبيعة. انها تعني اولا زيادة في الطلب على الموارد كافة وضغطا على الهواء وزيادة في استهلاك المياه، وزيادة في حركة النقل الجوي والبري والبحري، التي تتسبب بتلويث الهواء بشكل كبير، بالاضافة الى الزيادة في استهلاك الطاقة التي تتسبب ايضا بتغير المناخ ومشاكل اخرى كثيرة. الزيادة في اعداد السياح تتطلب ايضا زيادة في استخدام وسائل النقل والتسبب بأزمات سير وزيادة في الانبعاثات وتلوث الهواء والامراض الناجمة عنه.
كما ان زيادة اعداد السياح تعني زيادة في الاستهلاك وفي انتاج النفايات وارتفاع كلفة معالجتها.
ولعل المشكلة الاكبر والمسكوت عنها عادة في التقارير الرسمية، هي تلك الزيادة الضخمة في استهلاك المياه لاسباب سياحية، التي باتت تقارب المعدلات الكبرى المستهلكة في الزراعة. فالسياحة، ولا سيما تلك المتزايدة عادة في فصل الصيف، تزيد من استهلاك المياه ولا سيما في المسابح الخاصة (التي يفترض ان تتغير مياهها باستمرار)، بالاضافة الى الاستهلاك الكبير في الفنادق والمطاعم... بالاضافة طبعا الى الزيادة في انتاج مياه الصرف الصحي والتسبب حاليا في تلويث البحر او الوديان (والمياه الجوفية)، ولاحقا اذا ما تم انشاء محطات معالجة لهذه المياه، زيادة في استهلاك الطاقة وفي كلفة معالجة الوحول الناجمة عن هذه المياه.
لذلك على الحكومة الجديدة ان تضع برنامجا سياحيا مختلفا يأخذ بالاعتبار كيفية تأمين استمرار الموارد الطبيعية التي تعتبر اهم ركن من اركان السياحة وتغيير كل السياسات التنموية والاقتصادية... وليس عبر إنشاء المحميات فقط. بدءا من تغيير السياسات المائية واتباع اجراءات توفيرية وترشيدية في الاستهلاك مختلفة تماما، وكذلك الامر بالنسبة لسياسات النقل والطاقة. نحو تغيير سياسات النقل ودعم النقل العام السياحي وتخصيص أماكن وممرات في الأماكن الطبيعية والأثرية لا تدخلها سيارات خاصة ويتم تزويدها بالطاقة من الريح او الشمس او قوة دفع المياه... بالإضافة إلى التغيير في السياسات الزراعية نحو تشجيع ودعم الزراعات التقليدية البرية والبعلية الوطنية التي لها طعمها الخاص والمميز والتي يمكن ان تجذب السياح اكثر من الأطعمة المعولمة التي يمكن ان يجدها السائح اينما كان... الخ
فوضى النقل والعودة الى الفحم الحجري!
لا يزال لبنان يسير بفوضى عارمة في حركة النقل على طرقاته ومن دون خطط يتم وضعها موضع التنفيذ، ولا سيما في قطاع النقل البري. كما لا يزال يفتقر الى سياسات تشجع النقل العام. كما سياسات لتشجيع استخدام الطاقة النظيفة والمتجددة بالرغم من تمتع لبنان بما لا يقل عن 3000 ساعة شمس في السنة ، ولا دراسات لامكانية الاستفادة من طاقة الرياح وطاقة الموج ولا طاقة المياه. ويعتمد لبنان كليا على استيراد المشتقات النفطية لتامين الطاقة التي تتزايد اسعارها وكلفتها يوما بعد يوم (التقديرات الاخيرة للفاتورة النفطية في لبنان تقارب الملياري دولار في السنة، مع رسوم وضرائب الدولة) والتي تتسبب بتلويث المحيط السكني وتتسبب بأمراض متعددة ومكلفة. ويتسبب قطاع النقل البري بما لا يقل عن 70 في المئة من تلوث الهواء في المدن، وهو لا يزال يعمل ضمن فوضى عارمة لينعكس ازمة مزدوجة: ازمة السائقين العموميين وازمة ارتفاع نسب التلوث بشكل خطير. ولا تزال السياسات لتنظيم قطاع النقل (ولا سيما البري) خاضعة لمصالح «تجار السيارات»، تماما كما تخضع سياسات الطاقة لمصالح «تجار النفط». وتشير احدى دراسات الاسكوا ان اكثر من 40% مما انفق على ما يسمى «مشاريع التنمية» في بلدان الاسكوا وبينها لبنان، صرف على البنية التحتية ولا سيما على بناء الاوتوسترادات والجسور والانفاق، لتشجيع استخدام السيارات الخاصة! مع العلم ان هذه البلدان لا تنتج السيارات، ولا اي من براغيها!
وتتسبب هذه السياسات في استنزاف الاقتصاد الوطني بالعملات الصعبة، بدل ان يتم تشجيع استخدام النقل العام على انواعه كافة.
كما كان لافتا تخبط وزير الطاقة بالاقتراحات المتناقضة لحل قضية الكهرباء، فهو اذا اقترح زيادة معامل انتاج الطاقة وإنشاء معامل على الفيول وعلى الفحم الحجري، اقترح ايضا ان تشتري الدولة هي نفسها المولدات وتنتج هي الكهرباء. فبقدر ما يبدو الطرح ايجابيا كونه ضد الخصخصة، ويخفف من الهدر، الا انه يعتبر رجعيا مقارنة بتطور إنتاج الطاقة والتوجهات الجديدة في العالم ويحتاج الى بعض التطوير والتصويب. فبدلا من ان يعيدنا الوزير الى عهود الفحم الحجري، الذي بات استخدامه محاربا عالميا بوصفه الملوث الاكبر، ومعامله من نفايات التكنولوجيا العالمية، كان عليه العمل مع وزارة البيئة للاستفادة من مشاريع تعتمد على الطاقة الهوائية او الشمسية ضمن تمويل «آليات التنمية النظيفة» و«تجارة الكربون»، تطبيقا لبروتوكول كيوتو، والتي يمكن ان يستفيد منها لبنان ان نشطت اداراته المعنية في المكان الصحيح . فهل يعاد النظر في سياسات الطاقة والنقل مع هذه الحكومة؟
استباحة الصيد البري... والبحري
تحمس الوزير كرم كثيرا بداية تسلمه حقيبة البيئة لاعادة فتح موسم الصيد واصدار المراسيم التنظيمية المرتبطة بقانون الصيد الجديد الذي اقر في مجلس النواب العام 2004 . الا انه اصطدم باعتراضات البيئيين وبصعوبة تطبيق القانون الذي اقر، وترجمته في مراسيم تنظيمية. وقد ظلت حالة الفلتان مسيطرة بالرغم من قرارات المنع الصادرة عن مجلس الوزراء منذ سنوات والتي لم يتم تعديلها ولا احترامها. وقد تم استيعاب بعض خبراء الطيور وتوظيفهم بشكل او بآخر في مشاريع دولية تابعة لوزارة البيئة، كما تم استغلال هذا الموضوع لانشاء محميات، بعضها وهمي، لحماية ما سمي الممرات الآمنة للطيور، في وقت غابة الدراسات الجدية عن وضع الطيور في لبنان وتطور احوالها، التي لا تبشر بالخير، وفقا للمثل القديم القائل : «ما في طير، ما في خير».
فهل تتشدد الحكومة الجديدة في تطبيق قرار المنع الكلي للصيد لحين دراسة الوضع الحقيقي والمقلق لوضع الطيور في لبنان، وإعادة النظر ببعض بنود القانون، لناحية التشدد بمنع الاتجار بالطيور حية كانت او ميتة والسماح باستخدام الآليات البدائية في الصيد فقط؟ ام تستمر الفوضى ويفتح موسم الصيد (تحت عنوان التنظيم) وتعريض طيور لبنان للابادة؟
بالاضافة الى فوضى الصيد البري، سجل في السنوات الاخيرة تزايد الفوضى في عمليات الصيد البحري لناحية استخدام اساليب ممنوعة في الصيد مثل التفجير بالديناميت او استخدام الشباك الضيق او استخدام المواد السامة...الخ
محطات الصرف الصحي لا تعمل!
لا بد من تسجيل تقدم في عملية انشاء محطات للصرف الصحي في السنوات الاخيرة، بعد طول تاخر. الا ان واحدة من هذه المحطات لم يتم تشغيلها بعد. وقد تبين ان معظم المحطات المنجزة لا تزال تفتقر الى الشبكات . كما تبين ايضا اننا لا نزال نفتقر الى الاطر القانونية للتشغيل والى المواصفات، بالاضافة الى ضعف الرؤية الاستراتييجية لناحية الاختيار بين المحطات الكبرى ام الصغرى ودرجة المعالجة ومصير المياه بعد معالجتها / بالاضافة الى كيفية معالجة الوحول الناجمة عن عمليات المعالجة، والتي تصنف نفايات سامة. فكيف ستتم معالجة هذا الموضوع مع الحكومة الجديدة، مع العلم ان 80% من اسباب تلوث المياه في لبنان (المياه الجوفية والسطحية ومياه البحر) تعود الى عدم معالجة مياه الصرف الصحي؟
ضعف ادارة الغابات
بالرغم من احتضان الرئيس السنيورة لبعض ورش العمل والمؤتمرات والحفلات المتعلقة بحرائق الغابات في السرايا الحكومي، وبالرغم من تقديم استراتيجية لمجلس الوزراء حول الموضوع، وبالرغم من جمع الاموال والتبرعات عبر جمعيتين بمبالغ تجاوزت الـ20 مليون دولار اميركي، وبالرغم من شراء 3 طائرات مخصصة للاطفاء... الا ان ملف ادارة حرائق الغابات وادارتها بشكل عام، لا يزال في حالة تراجع، ولم يسجل اي تقدم يذكر، وذلك بسبب تضييع المسؤوليات و«كثرة الطباخين».
فهل تعيد الحكومة الجديدة الاعتبار للوزارات المختصة، ولا سيما وزارة الزراعة التي تم تغييب دورها عن تحمل مسؤولياتها بشكل فاضح؟
وهل تتم محاسبة الادارة في وزارة البيئة التي فشلت في ادارة هذا الملف بالاضافة الى فشلها في عمليات اعادة التشجير؟
فلتان الاتجار بالحيوانات والنباتات البرية
شهدت السنوات الاخيرة حالة فلتان عارمة في موضوع الاتجار بالحيوانات والنباتات البرية على أنواعها (ولا سيما الطبية والعطرية منها)، فقد كان يتم تمريره بصمت، ان في القوانين، او على الحدود، او في المطارات والمرافئ. وتشمل عمليات الاتجار الطيور الجارحة مثل الصقر والبواشق والبوم، والطيور المغردة مثل البلابل والحساسين، والحيوانات البرية ولا سيما السلاحف. بالإضافة الى التهريب والتجارة بحيوانات برية وإدخالها الى لبنان بطرق غير شرعية مثل الاسود والقرود والفهود والتماسيح والدببة. والمشكلة الإضافية ان بعضهم يحمل أمراضا معينة غريبة عن الأمراض المحلية التي تصيب حيواناتنا البرية، ويتم نقل هذه الأمراض الى حيوانات وبيئة وبشر لبنان.
الا ان قانون الصيد البري رقم 580 المعدل في آخر تعديلاته العام 2004، كان قد نقل وزارة الوصاية على تطبيقه من وزارة الزراعة الى وزارة البيئة، وقد كان على هذه الاخيرة ان تصدر المراسيم التنظيمية بالكثير من القضايا المتعلقة بالقانون، وقضية ضبط الاتجار بالحيوانات البرية بينها. ولكنها لم تفعل شيئا، وقد اعتبر مديرها العام ان الموضوع ليس من صلاحياته!
فهل تهتم الحكومة الجديدة لضبط الوضع، والانطلاق من قاعدة معلومات عن وضع الانواع المهددة في لبنان، واجراء تقييم وطني دوري، بغض النظر عن التقييم العالمي. فقد تكون هناك انواع وطنية مهددة بالانقراض، وليست على اللوائح العالمية، والعكس صحيح أيضا. لذلك هناك حاجة لإصدار لوائح حمراء محلية دورية، وقوانين ومراسيم تنظيمية حامية وناظمة. حامية من إدخال أنواع مريضة، بهدف «الفرجة»، كما يحصل في بعض المتنزهات الحديثة والتي يرتادها طلابنا واولادنا، ويمكن ان تنقل اليهم أمراضها ... وتنظيم عمليات التربية والتصدير، لكي لا نفقد أنواعا تساهم بشكل او بآخر في التوازنات البيئية الدقيقة والضرورية.
فهل تتحرك وزارة البيئة من خلال التعديلات التي طالت قانون الصيد العام 2004 وأعطتها سلطة الوصاية لتنظيم الموضوع ؟
تموجات خارج أي مراقبة
تسود في لبنان منذ سنوات فوضى عارمة في كيفية تمرير خطوط التوتر العالي للكهرباء، وفي وضع لواقط ومحطات الهاتف النقال التي انتشرت فوق المنازل بالإضافة الى انواع اخرى من المحطات الفضائية التي تبث موجات دائمة، قد تكون مضرة بالصحة العامة. ولا يزال لبنان يفتقر الى القوانين الناظمة والى المواصفات والمعايير والمقاييس اللازمة لتنظيم الفضاء وحماية الصحة العامة وباقي الكائنات من آثارها السلبية.
فوضى المواصفات والمقاييس
لا يزال لبنان يعاني من نقص كبير في وضع المواصفات والمقاييس للكثير من السلع الاستهلاكية على أنواعها، ولا سيما تلك المواصفات الملزمة، ان لناحية البضائع المنتجة في لبنان او تلك المستوردة. مما يعرض البلاد الى الكثير من المخاطر والحوادث التي لا تحمد عقباها، ان لناحية تعريض الصحة العامة لمخاطر جمة من خلال الاحتكاك اليومي بالسلع، او لناحية تحولها الى نفايات، تصنف في معظمها خطرة، ويتم التخلص منها بطرق عشوائية. فمتى الاسراع في انجاز هذا الملف، والتشدد في المراقبة وفي الالتزام بالمواصفات المنجزة، ولا سيما الغذائية منها؟
استمرار تلوث الشاطئ... والاعتداءات
واذ لا يزال الشاطئ اللبناني تحت ضغط مياه الصرف الصحي المحولة اليه من كافة المدن الساحلية، لم تنتهي بعد قصة التلوث النفطي الناجمة عن حرب تموز 2006، اذ لم يعرف حتى لحظة كتابة هذه السطور ما هو مصير المخلفات المجمعة في مستوعبات في اكثر من موقع. كما لم يفتح تحقيق في حالة الفوضى التي تسببت فيها وزارة البيئة وسوء الإدارة في التعامل مع الملف، ولا لماذا تم إهمال إنشاء لجنة طوارئ البحر، مع العلم ان معظم المنشآت النفطية في لبنان وأكبر المعامل هي على الشاطئ، وهناك إمكانيات دائمة ومخاطر لحصول حوادث وأعمال تسرب نفطي الى الشاطئ، كما يحصل في كل سنة تقريبا.
بالاضافة الى ذلك لا تزال قضية الاعتداء على الاملاك العمومية البحرية دون حلول، بالرغم من التحركات المناطقية للحماية، والاهتمام الجزئي لوزارة الأشغال والنقل بالموضوع. كما لم يتم انجاز تسوية المخالفات على قاعدة هدم بعض المخالفات وتغريم البعض الآخر واستيفاء الرسوم الحقيقية من المعتدين لحين اعادة هدمها واعادتها ملكية عامة.
مشاريع «سياحية» كبرى ملوثة
لا تزال قمم الجبال وشاطئ البحر والكثير من الاملاك العمومية والمشاعات تتعرض الى هجمات استثمارية خطرة، تحت عناوين «المشاريع السياحية». بدءا من مشاريع مثل «صنين زينة لبنان» على قمم الجبال الى «جزيرة الارزة» على الشاطئ، مرورا بمشاريع تحت نفس العنوان، هنا وهناك في مختلف المناطق اللبنانية، التي بدأت بالضغط على الطبيعة اللبنانية لناحية استنزاف المساحات الخضراء والضغط على الثروة المائية وتلويثها، او لناحية زيادة في انتاج كميات كبيرة من الصرف الصحي التي تحتاج لمعالجة، والزيادة الكبيرة في انتاج النفايات على انواعها. ويؤمل من الحكومة الجديدة اعادة تحريك ملف اصدار قوانين لحماية قمم الجبال والشاطئ ومصادر المياه الجوفية، ووقف المشاريع المضرة بالسياحة والاقتصاد والبيئة ومعا.
تلوث الهواء
لا يزال لبنان، ولا سيما في المدن، يعاني من نسب عالية جدا في تلوث الهواء، ولا يزال يفتقد الى اجهزة ثابتة او متنقلة لقياس نسب تلوث الهواء ولا سيما في المدن الرئيسية . وقد قدرت احدى دراسات البنك الدولي كلفة معالجة الامراض الناجمة عن تلوث الهواء بأحد الملوثات فقط بما يزيد عن عشرة ملايين ونصف المليون دولار اميركي في السنة. كما قدرت الخسائر الناتجة عن التلوث على نوعية الحياة في المدن والريف بـ170 مليون دولار اميركي سنويا، اي ما يوازي 1،02 في المئة من الناتج القومي.
وعلى الرغم من صدور القانون رقم 341 منذ العام 2002 والرامي الى التخفيف من تلوث الهواء المديني الناجم عن قطاع النقل، الذي اعتبر خطوة متقدمة «للتخفيف» من تلوث الهواء، الا ان هذا القانون لم يطبق ولم تصدر كل مراسيمه التنظيمية، ولا سيما المراسيم التي تحدد الانبعاثات ونوعية الوقود. وهناك الكثير من الشكوك حول امكانية المراقبة وحسن التطبيق. وبالرغم من منع استخدام البنزين المحتوي على مادة الرصاص في وسائل النقل، الا ان الزامية وضع المحول الحفزي لسيارات البنزين لم تطبق حتى تاريخه كما ورد في القانون المذكور. اما المعاينة الميكانيكية الالزامية التي تعتبر صمام الامان لتطبيق القانون، فقد تم خصخصتها وتحميل اعباء ضرائبية جديدة على الناس دون مبرر، في وقت كان يمكن لمراكز الدولة التابعة لمصلحة تسجيل السيارات ان تقوم بهذه المهمة لو تم تجهيزها (بكلفة زهيدة جدا) وتدريب العاملين فيها، حيث كان مطلوبا معاينة خمس نقاط اساسية فقط!
كذلك تم بتر معالجة تلوث الهواء من دون ربطها بخطة وطنية شاملة لادارة قطاع النقل البري تقوم على تشجيع استخدام النقل العام وبسياسات للطاقة تقوم على تشجيع استخدام الوقود الاقل تلويثا. ولا نزال نفتقر الى قانون لمكافحة تلوث الهواء من جميع مصادره وليس من قطاع النقل فقط.
في الزراعة والصناعة
في قطاع الزراعة، لا يزال لبنان يفتقد الى السياسات لتشجيع الزراعات العضوية الخالية من استعمال المبيدات والاسمدة الكيميائية التي تتسبب بتلويث التربة والمياه الجوفية وتهدد سلامة الغذاء. ولا تزال الزراعات المروية تشكل اكثر من 40% من مجمل الاراضي الزراعية وتستهلك ما يقارب مليار متر مكعب من المياه.
فامام الحكومة الجديدة مهمة وضع سياسات جديدة من اجل الزراعة البيولوجية والعضوية، الخالية من المبيدات والاسمدة الكيميائية، ودعمها لناحية الجدوى الاقتصادية وتأمين الاسواق والمواصفات المطلوبة والحماية من المنافسة وسياسات الاغراق.
اما القطاع الصناعي الذي ينتج حوالى 189 الف طن من النفايات الصناعية سنويا، بينها 3400 طن تصنف خطرة، لا تزال دون حلول، في وقت ينتشر حوالى 82% منها خارج المناطق الصناعية، وداخل المناطق السكنية.
لذلك يجب اعادة تصنيف المناطق والالتزام بالمواصفات والمعايير للانبعاثات وادارة المخلفات وتصنيف النفايات التي تنتج عنها وادارة معالجتها.
اثنين | ثلاثاء | أربعاء | خميس | جمعة | سبت | أحد |
---|---|---|---|---|---|---|
26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 1 |
2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 |
9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 |
16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 |
23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 |
30 | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 |