"اذهب إلى دمشق إذا شئت... ولا تصوب على حلفائك" جنبلاط الحائر المحيِّر وأسئلته المقلقة

كتب ايلي الحاج:
لا يشبه خروج وليد جنبلاط من قوى 14 آذار، اذا خرج، انسحابَ كارلوس اده منها مع بقائه على مبادئها احتجاجا على ما اعتبره "تنازلات". ويعجز متابع الزعيم الاشتراكي عن كشف الدافع الرئيسي الى اطلاقه مواقف النأي والابتعاد عن حركة 14 آذار التي قادها عمليا ولم يتحالف معها، من لحظة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وكان الرهان بين القتلة ان الاوضاع ستعود الى طبيعتها كأن شيئا لم يكن بعد ايام من التشييع. لكن جنبلاط وقف ذاك النهار 14 شباط 2005 وحمل المشعل فسار خلفه الآخرون في اللحظة التاريخية، سنة ومسيحيين ودروزا بالطبع، ونخبا شيعية، فكانت 14 آذار التي كبرت ككرة ثلج، فأسقطت اولا حكومة الرئيس عمر كرامي واخرجت الجيش السوري من لبنان واعادت قادة من السجون والمنافي واطلقت جوا وحدويا استقلاليا عارما في البلاد بقي خارجا عنه ثنائي "حزب الله" – حركة "امل"، اي غالبية في الشيعة، وتوسعت حلقة الخارجين لاحقا بعد الانتخابات النيابية التي جرت على اساس "الاتفاق الرباعي" عام 2005 مع انتقال العماد ميشال عون من 14 آذار الى التحالف مع ما سمي بقوى 8 آذار ليشكلوا معا "المعارضة".
حمل جنبلاط عاليا طوال الحقبة الماضية حتى الامس القريب شعار "الحقيقة والعدالة" الذي رفعته كل مكونات قوى 14 آذار ودفع شهداء على التوالي حياتهم ثمنا على طريق المحكمة الدولية حتى باتت في مأمن من العقبات والعراقيل اللبنانية وغير اللبنانية. ومع تقدم عمل هذه المحكمة وتطوره بعد كثير من الشائعات والتكهنات والمطبات بدأ من يلتقون الزعيم الاشتراكي منذ اشهر، وتحديدا منذ نشر تقرير "در شبيغل" الالمانية واطلاق الضباط الاربعة ينقلون عن الرجل مواقف حائرة واسئلة يطرحها تصيب "العمق"، من نوع ان "الرئيس الحريري رفيقي وصديقي وغال جدا عندي، ولكن والدي ايضا قُتل"، و"أليس الافضل الاكتفاء بالحقيقة اذا كانت المطالبة بالعدالة ستؤدي الى ضرب السلم الاهلي في البلاد؟"، و"اغتيال الرئيس الحريري اخرج الجيش السوري من لبنان وانهى عهد الوصاية، الا يكفي ذلك؟ الى اين من هنا؟".
اسئلة تحمل هواجس مقلقة جدا لرجل شاءت اقداره ان يكون مسؤولا عن مصير طائفة في بلد تحكمه الطوائف وتواريخها المثقلة بالمآسي منذ قرون.
ولم ينس جنبلاط انه عندما دقت ساعة الحقيقة في 7 أيار 2008 لم يقاتل حلفاؤه السنة في بيروت، وان المسيحيين حيّدوا انفسهم ليجد انصاره الدروز انفسهم وحيدين في المعمعة التي يريد بكل قواه وعزيمته إبعاد اي احتمال لتكرارها ومحو ذكراها حتى من اذهان ابناء الجبل وما حوله.
وعندما تستيقظ ذكريات متناقلة من جيل الى جيل عما حدث بعد حوادث الجبل عام 1860 للقادة الجنبلاطيين وانصارهم وسط التخلي الدولي عنهم تطفو معها الى السطح مشاغل ذات طابع شخصي، اذ يذكر بحيرة احد الذين جالسوا جنبلاط انه تحدث عن العالم الآخر على غير عادة، وان جده ووالده قتلا بعمر الستين وهو اليوم في التاسعة والخمسين، وانه يعد نجله تيمور لتولي القيادة.
بالطبع يستنكر "الرفاق" (السابقون؟) لوليد جنبلاط في "ثورة الارز" ذهابه الى الاكتفاء بالحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وبقية شهداء 14 آذار واسقاط مطلب العدالة، معادلة معناها السياسي التخلي عن تأييد المحكمة الدولية وأقله إسقاطها من الحسبان وعدم ذكرها في البيانات الوزارية والادبيات السياسية والقول مع القائلين – أو مسبقاً واستباقاً على ما فعل جنبلاط – ان هذه المحكمة "مسيَّسة" وتشكل جزءاً من "لعبة الامم"، تمهيداً لأن ينعتها من يشاء انها "اداة في يد الصهيونية وقوى الاستعمار والاستكبار العالمي".
منحى يرفضه "الرفاق" في 14 آذار. ويعتبرونه تخلياً عن الاصدقاء والاحباب، من جورج حاوي وسمير قصير وجبران تويني وبيار الجميل ووليد عيدو وانطوان غانم ووسام عيد والشهداء الاحياء": "كانوا معنا وماتوا بسبب المحكمة"، يقولون.
وفي طريقه الى موقعه الجديد الذي "بين منزلتين" تلقى جنبلاط نصائح خارجية، تحديداً عربية مهتمة بلبنان: "اذهب الى دمشق، وأبعد الى طهران ان شئت، فأنت حر، ولكن لا تطلق النار على حلفائك، ففي النهاية قد تضطر للعودة اليهم، من يدري؟". نصائح لم تلق صدى على الارجح، بدليل مواقف الامس التي استحضر فيها مرحلة "الحركة الوطنية" وأدبياتها في ما يُعدّ نكوصاً فكرياً عن مرحلة متقدمة على صعيد بلورة الطرح وتصحيحه تجلت في بيان "مؤتمر البريستول" قبل عشرة ايام فقط من الانتخابات النيابية في 7 حزيران الماضي.
تضمن ذاك البيان تعهداً بالسعي الى تحقيق ما ورد فيه من رؤية الى مستقبل لبنان وفلسطين والعروبة والمنطقة، ووعد بالبقاء معاً والنضال معاً. وبين الموقعين يا للمفارقة، وليد جنبلاط.