فداء عيتاني
يجلس زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي ورئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط في حديقة منزله في كليمنصو، يقصّ ككل صباح من الصحف ما يمكن أن يثير اهتمامه ويجلّده بعناية بالنايلون، ويتحدث عن فلسطين، والدكتور وليد خالدي الذي كان أستاذه وعاد والتقاه، يتبرّم من بلاد تعود وتكرر نفسها كل يوم وكل عقد وكل عصر.
يضحك جنبلاط بسخريته المعهودة من نظام طائفي يعجز عن السير بآليات الديموقراطية. هو لا ينكر لحظة أنه جزء من تركيبته المعقدة، ولا ينكر أيضاً تعقيدات ملفّه مع سوريا، التي يقول إنه هو من راكمها: «حين اخترعت للرئيس السوري ألقاباً ومفردات». لكنه، ككل يوم، يسخر من نظام يحكم اللبنانيين من دون رحمة.
يسهب جنبلاط في الحديث عن العنصرية اللبنانية ضد الفلسطينيين في المخيمات: «هذه العنصرية التي ازدادت، للأسف، وبشدة بعد حرب نهر البارد». ويتحدث عن الأوضاع المعيشيّة الصعبة للفلسطينيين ،»وهم من ساهم بعد النكبة في الاقتصاد اللبناني بصفتهم يداً عاملة، ممنوع عليهم اليوم العمل في لبنان. فليتعاملوا معهم كأيّ يد عاملة أجنبية».
يخفي جنبلاط ضحكته حين يتحدث عن النظام اللبناني: «ها هم عادوا إلى الديموقراطية التوافقية في تأليف الحكومة». يضيف ساخراً: «طالما هي كذلك، فنحن نعود دائماً إلى ابن خلدون، نظام العشائر، فليحوّلوا البلد إلى نظام العشائر الأفغانية». ويتحدث عن المجالس القبلية الأفغانية «الملالاي جورغا»، التي تدير أفغانستان منذ الاحتلال الأميركي.
ما يحصل اليوم، بحسب جنبلاط، هو طوائف وعشائر تتقاسم سلطة، من دون أن يحدد من هو كرزاي في نظام التقاسم العشائري، ومن هم أعضاء مجلس الحكم القبلي. وينتقد جنبلاط المسارات الطويلة التي تدور فيها القوى قبل أن تصل إلى خلاصة «التوافق»، الذي يحكم الحياة السياسية، مفضّلاً الحديث عن الحصص على الحديث عن تطوير الحياة العامة.
وحين ينتقل الحوار الهادئ في صباح حار من صباحات بيروت إلى الدوائر المغلقة التي تعيشها البلاد، والخلاف على من يحكم لبنان، يقول جنبلاط: «لقد حكمنا البلاد مرة منذ خمسمئة عام. وهذا كاف. هل من الضروري أن نحكمها باستمرار؟». ولمزيد من السخرية، يضحك لسماعه كلاماً يصفه بأنّه»جزء من الديموقراطية الأصيلة في التناوب السلمي على السلطة، بين الطوائف لا بين الأفراد».
ويعود إلى عام 1860 والمجازر التي حصلت حين اضطر آل جنبلاط إلى ترك أملاكهم، والهجرة المؤقتة من أرضهم.
بلاد ملعونة هو ما يحقّ لك استنتاجه من كلام جنبلاط، الذي يمكنه الانتقال إلى ملف كالملف الاقتصادي في البلاد، حيث يسعى أولو الأمر فيها إلى خصخصة القطاع العام وبيع ما بقي من أملاك للدولة، وفتح البلاد أمام سياحة وبيع أراضٍ وعقارات، في ظل سيطرة النظم المالية الحادة.
«منذ أيام التقيت الياس سابا، كان هو أحد أبطال كسر احتكارات الدواء حين كان وزيراً في عام 1970، وفشل طبعاً، حينها كان كمال جنبلاط يتحدث عن حكم لبنان من طبقة الـ4 في المئة. اليوم، نحن محكومون من 2 في المئة يمسكون بالاقتصاد. وهؤلاء هم المصارف ومن يدور في فلكها»، يقول جنبلاط، ويعجز عن تصور حلول جدّية لمواجهة احتكار المصارف للاقتصاد: «أصلاً البلاد تقوم في خدمة قطاع المصارف، وبعض السياحة».
وحين تطالبه بالنقاط التي كان يعمل عليها مباشرة بعد انتهاء الانتخابات النيابية، يجيب: «نقاط لمعالجة اقتصادية يفترض أن تطرح في البيان الوزاري، من منع عمليات الخصخصة إلى ملف الأملاك البحرية». ويبدي استعداده لخوض غمار ذلك. لكن، «هل تعتقد أن هناك من سيقف إلى جانبي إذا طرحت ملفاً كالأملاك البحرية؟ أو طالبت بمنع الخصخصة؟». وكل ما يطمح إلى تحقيقه هو الالتفاف على طرح الخصخصة عبر أشكال مختلفة كتخصيص الإدارة.
يبدو جنبلاط واقفاً عند مفترق طرق، بين وليد جنبلاط 14 آذار قريباً من اليمين اللبناني ووليد جنبلاط السابق. ولعلّه اليوم هو وليد جنبلاط الثالث، الذي يقترب من كمال جنبلاط.
اثنين | ثلاثاء | أربعاء | خميس | جمعة | سبت | أحد |
---|---|---|---|---|---|---|
28 | 29 | 30 | 31 | 1 | 2 | 3 |
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 1 |