خمسة عشر عاماً على توقيع معاهدة وادي عربة الأردنيون يرفضون التطبيع مع إسرائيل

عمان ـ خليل رضوان

غابت الاعتصامات والاحتجاجات عن الشارع الأردني منذ انتهاء العدوان على قطاع غزة في كانون الثاني (يناير) الفائت، لكنها أطلت برأسها مجددا في عمان قبل أيام احتجاجا على سماح الحكومة لتجار باستيراد الخضار والفاكهة من إسرائيل.
هذا التطور شرع الباب مجددا أمام جدلية التطبيع بين الأردن وإسرائيل بين تيارين متصارعين في البلاد بعد مضي 15 عاما على توقيع معاهدة السلام بين البلدين.
وفي الاردن الذي أنهى حال الحرب مع اسرائيل العام 1994، يمكن الحديث عن نوعين من التطبيع، الأول متعلق بالتطبيع الرسمي وهو ليس موضع خلاف في الأردن باعتبار أن الدولة الأردنية في حال سلام مع إسرائيل ما يعني إقامة علاقات ديبلوماسية بحسب العرف الدولي، والآخر على المستوى الشعبي.
فبعد أن وقع الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل في تشرين الاول (أكتوبر) 2004، درجت مقولة بين أنصار السلام في الأردن تفيد بأن في امكان الأردن توظيف العلاقة مع إسرائيل خدمة للقضية الفلسطينية ومساعدة للطرف الفلسطيني في المفاوضات مع إسرائيل. وبالفعل تدخل الملك حسين في إنجاز اتفاق الخليل في 17 كانون الثاني (يناير) 1997 وهو تدخل ساهم في تعزيز الموقف التفاوضي الفلسطيني، لكنه في الوقت ذاته ساعد بنيامين نتنياهو على تسويق الاتفاق داخل إسرائيل لأنه من الأسهل إسرائيليا تقديم تنازلات للملك حسين وتبريرها داخليا من تقديمها للراحل ياسر عرفات الذي لم يكن الإسرائيليون يرتاحون اليه .
ويرى الباحث الاستراتيجي في العلاقات الاردنية الإسرائيلية حسن البراري ان فلسفة الدولة الأردنية في حينه كانت تتلخص في أن للأردن مكانة في إسرائيل لا يمكن إغفال أهميتها. ومن هنا جاءت فكرة توظيف العلاقة خدمة لإسرائيل، لكن بعد تولي الملك عبدالله الحكم وانهيار عملية السلام، لم يعد الأردن الرسمي يثق بالسياسة الإسرائيلية لأنها ساهمت بشكل كبير في انهيار عملية السلام.
ولهذا السبب غير الأردن مقاربته وعمل على تقوية علاقته الإستراتيجية بواشنطن على أمل أن تمارس الأخيرة الضغط اللازم على تل أبيب لمصلحة حل الدولتين، بمعنى أن الأردن عمل على تعزيز علاقاته الإستراتيجية بأميركا بعيدا عن القناة الإسرائيلية من أجل التأثير على سياسة إسرائيل حيال الفلسطينيين.
إلا ان مقرر اللجنة الاتحادية لمقاومة التطبيع ميسرة ملص يرى ان الحكومات الاردنية المتعاقبة حرصت على تطبيق جميع الاتفاقيات الموقعة ما بين الاردن وإسرائيل التي تزيد على عشرين اتفاقية، ما يرى فيه ملص شكلا من إشكال التطبيع.
ويقول ملص "على الرغم من عدم تبادل الزيارات العلنية في الغالب بين مسؤولي البلدين نظرا الى الحرج الذي تمثله هذه الزيارات، الا ان التسهيل الرسمي للتبادل التجاري والتعاون الامني والتنسيق بخصوص مصادر المياه والزراعة وتسهيل ومساعدة المصانع في المدن الصناعية المؤهلة والتي يدخل في إنتاجها 8%من الكيان الصهيوني على أشده".
ولعل أكثر ما لفت الانتباه في "اتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي بين الاردن إسرائيل"، ان الاتفاقية تلزم الاردن قانونا بالتطبيع مع إسرائيل وتلزمه بإزالة إشكال المقاطعة لـ"إسرائيل" وإنهاء المقاطعات من إطراف ثالثة، في إشارة إلى المقاطعة العربية لـ"إسرائيل" والتي يغيب الأردن عن اجتماعات مكتبها في دمشق منذ سنوات.
غير ان العلاقات الاقتصادية بين الطرفين والتي اريد لها ان تكون نموذجا "لاقتصادات السلام والتطبيع" لم تؤد الى رفع مستوى التعاون بينهما الى ما كان مأمولا من المسؤولين الذين تحمسوا لعلاقات السلام والتطبيع، حيث انه وبعد العديد من الاتفاقيات التي تكللت بانشاء غرفة تجارة مشتركة اردنية إسرائيلية، وإنشاء 6 مدن صناعية مؤهلة، الا ان حجم التجارة البينية ما زال ضعيفا.
وشهدت المناطق الصناعية المؤهلة التي أقيمت في الاردن على قاعدة التصدير إلى أميركا دون حواجز جمركية شرط مساهمة اسرائيل بنسبة لا تقل عن 30% من مدخلات الإنتاج لتلك البضائع حركة نمو كبيرة ومتصاعدة، لكنها عادت الآن إلى الهبوط والتراجع.
وقبل سنتين، وتطبيقاً لقواعد منظمة التجارة العالمية، ألغت أميركا نظام الكوتا، مما سمح للصين والنمور الآسيوية باقتحام السوق الاميركية ومنافسة الإنتاج الأردني في مجال الملابس والمنسوجات، فأصبح وضعه حرجاً لأن كلفته أعلى من كلفة الإنتاج الآسيوي.
ووسط هذه الظروف المتزايدة في صعوبتها، بدأ إنتاج المناطق الصناعية المؤهلة وصادراتها إلى الولايات المتحدة في التراجع بشكل ملموس عاماً بعد آخر. فالنمو الإيجابي المتسارع خلال عشر سنوات، تحول إلى نمو سلبي متواصل ما أدى إلى إغلاق عشرات المصانع في المناطق المؤهلة .
التطبيع الشعبي
وفي التطبيع الآخر "الشعبي" تكمن الإشكالية الكبرى في الاردن, إذ ان لا إجماع وطنيا على ماهية التطبيع، فهناك قوى تريد قطع أي شكل من أشكال العلاقة بإسرائيل دون الأخذ في الاعتبار حالات قد تكون إنسانية مثل زيارة الأردنيين من أصول فلسطينية لذويهم سواء من عرب 48 أو في القدس والضفة الغربية حيث لا وسيلة إلا الحصول على تأشيرة سفر من السفارة الإسرائيلية في عمان.
الا ان مقرر اللجنة الاتحادية لمقاومة التطبيع ملص يشدد على ان كل من يحصل على تأشيرة من سفارة الكيان الصهيوني لزيارة فلسطين المحتلة يعتبر "مطبعا"، حيث ان تعريف التطبيع هو كل قول او فعل او عمل يرفع حالة العداء مع الكيان الصهيوني، والحصول على تأشيرة هو اعتراف بهذا الكيان الغاصب، ويقول "لقد ايد جمهور العلماء في الأردن ان الحصول على تأشيرة لزيارة الاماكن المقدسة هو تطبيع ومحرم شرعا".
ويذهب بعض أنصار مقاومة التطبيع إلى حد ان مجرد قراءة صحف عبرية هو شكل من أشكال التطبيع لأن قراءة ما يكتب في الصحف العبرية قد يؤثر على القارئ، ومنهم من يرى ضرورة عدم استضافة الصحافيين أو الأكاديميين من عرب إسرائيل لأن في ذلك تطبيعا وهو أمر يثير حفيظة البعض الآخر الذي يرى في شخصيات إسرائيلية مثل عزمي بشارة بطلا قوميا عربيا.
ويرى البعض في الأردن أن التطبيع مع إسرائيل لا يخالف القوانين الأردنية ولا يتعارض مع الدستور، وبالتالي لا يحق لأحد أن يعترض عليهم بقصد التشهير والعزل، وهنا نشير إلى أنه لا يوجد في الأردن قانون يحمي من يريد أن يطبع.
كذلك فإن المتشددين من معارضي التطبيع اخفقوا في تبرير الاتصالات الفلسطينية الإسرائيلية اليومية وهي اتصالات تبرر بأنها بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي وضرورات العيش مع أن الكثير من العمال الفلسطينيين يعملون في قطاع تشييد الاستيطان وأن هناك تجارا فلسطينيين زودوا إسرائيل اسمنتا لبناء جدار الفصل العنصري.
كما أن هناك تيارا ليبراليا له موقف من التطبيع مختلف في الشكل والجوهر والتعريف. فأنصار هذا التيار يرون أن التطبيع هو التسليم برواية إسرائيل للتاريخ وهو أمر لا يوافقون عليه، أما الاتصالات والتجارة مع الإسرائيليين فيمكن أن يكون فيها فائدة للأردن.
ويلاحظ البراري ان التيار الذي يسمي نفسه "معسكر السلام" تراجع في اندفاعه للتطبيع مع إسرائيل وهو ما بدأ بقوة في العامين 1995 و1996 فلم يعد أنصار هذا التيار قادرين على تبرير الاستمرار في التطبيع "المجاني" مع إسرائيل في وقت ترى غالبية من أبناء الشعب الأردني أن إسرائيل تبطش بالفلسطينيين وتستمر في سياسة قضم الأرض.
ويؤكد ملص ان التطبيع على الجانب الشعبي ضمن حده الادنى ويكاد لا يذكر، فباستثناء ما يدخل من مدخلات انتاج "صهيونية" ضمن المواد المصنعة في المناطق الصناعية المؤهلة، والتي تفرضها الاتفاقية الموقعة مع "الكيان الصهيوني" إلى جانب المستوردات من الخضار والفاكهة التي يستوردها بعض التجار الذين يقومون باستبدال عبواتها الظاهر عليها العلامات التجارية "الصهيونية" ليتمكنوا من تسويقها في الشارع بأنها بضاعة فلسطينية، باستثناء ذلك، لا يمكن الحديث عن تطبيع شعبي في الاردن.
لا ترغم الحكومة المواطنين على التطبيع مع الكيان الصهيوني، لكن الحكومات المتعاقبة امينة على مصالح المطبعين بصورة تفتقدها الاغلبية الساحقة من المواطنين الحريصين على علاقات متينة مع دول عربية او اسلامية. وقد سبق ان زجت احدى الحكومات السابقة اعضاء لجان مقاومة التطبيع النقابية في السجن بسبب نشر اسماء المطبعين، كما حدث أخيرا ان تعرضت قوى الامن للمشاركين في الاعتصام السلمي ضد استيراد الخضار والفاكهة الصهيونية.
وفي المحصلة، مرت خمسة عشر عاما على توقيع معاهدة وادي عربة ومع ذلك لا يمكن الحديث عن تطبيع في الاردن على مستوى كبير وتبقى الأمور فردية وإن قامت بعض المؤسسات ومراكز الأبحاث بنشر دراسات وتنظيم مؤتمرات مشتركة مع نظرائهم من الإسرائيليين، الا ان الأردنيين يرفضون التطبيع مع إسرائيل بمعزل عن فتور او حرارة السلام بين البلدين.