حاصبيا وشبعا: مشاريع سياحية ومعالم أثرية تعبق بالسحر

طارق ابو حمدان
حاصبيا :
يحتضن حوض الحاصباني الكثير من المواقع الأثرية والتراثية القيمة، من قلاع وحصون ومعابد ومغاور. تحكي المواقع فصولا من حياة شعوب قديمة غزت ومرت ومكثت في المنطقة، مخلفة بصمات معمارية وتراثية تستحق المتابعة والاهتمام. تقف المنطقة بمقوماتها اليوم مهزومة أمام الإهمال الذي تعودت عليه، بالرغم من صرخات الأهالي العاجزين عن الحفاظ على الرونق المعماري المهدد بالزوال لبعض المعالم ألأثرية، بعدما غزته التصدعات والتشققات، في ظل غياب غير مبرر لمختلف الجهات المسؤولة والمعنية بالقطاع، باستثناء لفتة محدودة لبعض المؤسسات الاجتماعية الدولية التي عملت على تجميل وترميم بعضها.
وإلى الآثارالموزعة في اكثر من ناحية حاصبانية، اتجه العديد من ابناء المنطقة إلى ضفتي نهر الحاصباني، فأقاموا المتنزهات والمطاعم والمسابح بمبادرات فردية بحتة، نجحت الى حد ما في استقطاب السياح من عرب وأجانب، ولفتت نظر عدد كبير من السياسيين والمثقفين كما السفراء العرب والأجانب المعتمدون في لبنان وسوريا، إضافة الى بعض الوزراء الأوروبيين وفي مقدمتهم على سبيل المثال وزير خارجية فرنسا الحالي برنارد كوشنير.
وأكسب وقوع حوض الحاصباني عند السفوح الغربية لجبل الشيخ مسحة سحرية وميزات طبيعية هامة. فبالإضافة لمناخه المعتدل صيفا شتاء ومناظره الخلابة المرصعة بغابات الصنوبر والسنديان، يحوي الحوض في باطنه بحيرة مائية كبيرة، تدخل في صلب المطامع الإسرائيلية منذ قيام كيانها الغاصب، كما يجمع في مساحة لا تتجاوز العشرة كلم2 كماً مميزا من المواقع الأثرية، إضافة الى مجموعة من المطاعم والمتنزهات الراقية، تعطيه دفعا سياحيا مرموقا وتجعله مقصدا للزوار، مع الحاجة الملحة لاهتمام ودعم الجهات المعنية في وزارتي الثقافة والسياحة.
ينتشر في وادي الحاصباني حوالى 15 متنزها، جميعها قريبة من المواقع السياحية الرئيسية في ميزة يمكن ان تكون فريدة، بحيث لا يلزم السائح سوى بضع دقائق للوصول منها الى المواقع الأثرية الرئيسية المجاورة، ومنها مثلا السرايا الشهابية وسط حاصبيا والتي تبعد عن المتنزهات ثلاثة كيلومترات، وسوق الخان عند الطرف الغربي لحاصبيا على مسافة أربعة كلم، وبعل جاد في الهبارية حوالى سبعة كلم، ومغاور شبعا ومطاحنها المائية بحدود عشرة كلم، إضافة إلى مواقع أثرية أخرى ومنها منطقة النواويس في النبي شيت شرقي بلدة الخلوات الواقعة على بعد سبعة كلم. ولذا لا يلزم الجولة الكاملة على معظم المعالم المتقاربة أكثر من بضع ساعات فقط.
لم تنعم المواقع الأثرية في حوض الحاصباني حتى اليوم بأي اهتمام رسمي، في حين عملت مؤسسات اجتماعية اجنبية على ترميم العديد منها لكن دون المستوى المطلوب. فالسرايا الشهابية مثلا مهددة بالانهيار في كل لحظة خاصة بعدما بدت في مختلف اقسامها التشققات والتصدعات المخيفة، كذلك المغاور والتي اكتشفت صدفة في محيط بلدة شبعا خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي والتي نهب العدو الكثير من محتوياتها. أقفلت مداخل المغاور في أعقاب تحرير عام 2000 وما تزال، دون أن تكلف أية جهة مسؤولة نفسها حتى عناء التعرف عليها والوقوف على ما يمكن ان تخفي بداخلها، في حين عملت مؤسسة «ميرسي كور» على ترميم سوق الخان القديم وبعل جاد في الهبارية ومطاحن شبعا العاملة على المياه.
لم تدخل المشاريع السياحية في حوض الحاصباني بعد ضمن الخارطة السياحية اللبنانية كما يشير العديد من اصحابها، كما لم تلق اي دعم ولو محدودا من الدولة اللبنانية، بل على العكس فالخسائر التي لحقت بها نتيجة عدوان تموز عام 2006 لم تدفع تعويضاتها لمستحقيها، كذلك لم تنجح بلديات القرى المحيطة بعد في رفع التلوث عن الطرف الجنوبي لمجرى النهر، حيث تصب مجاري المياه المبتذلة وزيبار الزيتون.
وأنجز مطلع الصيف الجاري توسيع وتعبيد الطريق الرئيسية التي تربط المنطقة بالبقاع، وبقيت الوصلة باتجاه الجنوب غير مكتملة بحيث يستغرق انجازها اكثر من عام، في حين ما يزال التقنين العشوائي للتيار الكهربائي علة العلل، ومن أكثر المشاكل التي تفسد العمل في المرافق السياحية للمنطقة.
وكانت بلدية حاصبيا قد وضعت خطة لإنماء السياحة في حوض الحاصباني وذلك تحت شعار»الرأس النبع للعالم». وعن الخطة يقول رئيس البلدية كامل ابو غيدا «إن المشروع الأول من نوعه سيقام عند نقطة نبع الحاصباني، ويضم أجنحة عدة تبدأ بممر مائي بطول حوالى 250 مترا سيخصص للرياضة المائية، يحيط بها كورنيش دائري للمشاة بطول 500 متر مع جسور معلقة فوق مجرى النهر، إضافة الى جسر رئيسي مميز فوق الشلالات بطول 32 مترا وبارتفاع 2،4 متر، ينتشر على جانبيه 35 محلا تجاريا تعرض فيها الأشغال اليدوية الحاصبانية والحرف والإنتاج الزراعي والصناعي، ويضاف الى ذلك خمسة فنادق خمسة نجوم، يتألف كل منها من أربعة طوابق مساحته 800 متر مربع يحوي 32 غرفة مع مطعم وقاعة للمحاضرات، مسرح وصالة أفراح، إضافة لحدائق ومساحات خضراء، تتوسطها بحيرة للمراكب الصغيرة تحوي جزيرتين صغيرتين وعشرات النوافير المائية الموزعة على مختلف أقسام المشروع.
ويرى أبو غيدا أن المشروع السياحي سيؤمن فرص عمل لحوالى 250 شابا وشابة من أبناء المنطقة، اضافة الى رفع الدخل الحاصباني بشكل عام ودخل البلدية بشكل خاص، من حوالى ثلاثين مليون ليرة سنويا الى أكثر من 150مليونا، كما من شأنه تنشيط الحركة الاقتصادية والسياحية واستقطاب مشاريع أخرى مشابهة، ربما وصلت الى قصر شبيب في أعلى مرتفعات جبل الشيخ حيث تجلى السيد المسيح، مما سيرتب انتعاشا في مختلف المجالات وينعكس إيجابا على الأوضاع الحياتية بشكل عام في المنطقة.
تتوزع المعالم الأثرية في حوض الحاصباني وتتنوع بتعدد الحضارات والشعوب التي احتلت هذه الثغور، فمنها على سبيل المثال الروماني والصليبي والشهابي، وكانت هذه المواقع قد تعرضت لهجمة منسقة ومدروسة من قبل جيش العدو الإسرائيلي خلال فترة الاحتلال، فغزتها ورشه الفنية التي كانت مزودة بخرائط وعملت على سرقة الكثير من محتوياتها، بحيث كانت تنقل المسروقات الى داخل فلسطين المحتلة بواسطة مروحيات او شاحنات كبيرة، في حين لم تشهد هذه المواقع في ما بعد اي اهتمام من قبل الدولة اللبنانية، التي لم تكلف نفسها حتى عناء الكشف عليها والوقوف على ما سرقته الدولة العبرية، في الوقت الذي قال فيه ضابط هندي يخدم في تلال شبعا، لو كانت هذه المغاورالمقفلة في الهند لتحولت الى متاحف قيمة تدعم الدخل القومي لبلدنا، ومن هذه النماذج اخترنا المميز منها نظرا لحيثياتها ودلالاتها القيمة:
سوق الخان جنوبي حاصبيا
سمي بهذا الإسم نسبة الى الخان الكبير الذي بناه الأمير ابو بكر الشهابي عام 1350، فكان مقصدا لأبناء الحولة والجليل وفلسطين وحوران، تتم فيه مقايضة وتبادل البضائع.
وقد عملت بلدية حاصبيا بالتنسيق والتعاون مع مديرية الآثار ومؤسسة «ميرسي كور»، على إعادة ترميم الخان مع الحفاظ على رونقه القديم، من حيث نوع الحجارة والتربة والعقد الحجر والقناطر ومرابط الخيل، على ان يكون في طرفه الشمالي قاعة تستخدم كمطعم او صالة. وشملت الخطة بناء خيم للباعة من الخشب الصلب مع مواقف فسيحة للسيارات وجنائن ومحرقة للنفايات ومسلخ حديث.
بعل جاد وسط بلدة الهبارية
يعتبر بعل جاد من أقدم الآثار في لبنان والشرق الأوسط ولربما كان معبدا او محكمة او الإثنين معا. كانت تحميه أبراج عدة ركزت في التلال المحيطة، ومنها ما يسمى بالقصير والخربة والمطلين. بني الطابق العلوي من مجموعة حجارة كبيرة مع عقود وبرج مراقبة وفيها فوهات لاستعمال قوس النشاب، بينما الطابق السفلي عبارة عن دهاليز مترابطة تصل في النهاية الى مشنقة. ويوجد عند طرفه الشرقي نفق بطول ثلاثمئة متر يربط بينه وبين ساحة بلدة الهبارية. وفي الناحية الغربية نفق آخر بطول حوالى كيلومترين يصل إلى مجرى نهر.
وحجارة المعبد شبيهة بحجارة قلعة بعلبك، يبلغ طول الحجر الواحد ثلاثة أمتار وارتفاعه حوالى متر، وداخل القاعة من الجهة الجنوبية حيث كان يجلس الحاكم، يرتفع سلم من الحجر البركاني يتصل بأعلى البرج، في حين تتوج اعلى الجدران بتيجان ونقوش مشابهة لمعبد باخوس.
وما يميز المعلم عن غيره تلك القنطرة التي ترتفع على شكل قوس عند مدخل القاعة الرئيسية، تتوسطها شمس منحوتة محاطة بمخطوطات، وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد زار المكان في العام 2004 واصفا اياه «بالهام جدا وذي قيمة تاريخية لا تضاهى».
آثار النبي شيت شرقي الخلوات
هي مجموعة من القلاع الرومانية موزعة في مساحة جبلية متقاربة، اهمها أربعة نواويس محفورة في صخر كبير، وخامس فوق تل صخري الى جانب مدفن ومغارة، وجميعها متساوية الأحجام، بطول مترين وعرض ثمانين سنتمترا، ولكل ناووس غطاء حجري نقشت عليه صور ملكة مجهولة، وعلى جوانبه الأربعة نقوش لملك وملكة يمسكان بحبل قيل انه رمز للحياة والتناسل، ويحوي المكان العديد من المغاور غير المكتشفة بعد.
نبع الجوز في شبعا
تتربع شبعا على أكبر خزان مياه في الشرق الأوسط، وهذا ما يجعلها محط مطامع العدو المتمسك ابدا بمزارعها. في حضن وادي البلدة هناك نبع يدعى نبع الجوز نسبة لأشجار الجوز التي تنتشر على ضفتي مجراه. تتفجر مياه النبع العذبة والصافية والباردة جدا من قلب جبل الشيخ، ويشهد قيام عدد من المقاهي والمطاعم التي أخذ أبناء البلدة على عاتقهم تحسينها وتطويرها لتكون قبلة للزوار والسياح رغم ما في ذلك من مغامرة بسبب مكوث العدو الصهيوني على مرمى حجر منها.
ويرى صاحب متنزه النبع مخلص الزغبي «ان كل ما نقدمه للزبائن هنا من إنتاجنا المحلي، وهو خال من المواد الكيماوية ومركباتها من خضار وفواكه ولحوم، صحيح أننا عانينا وما نزال من اهمال الدولة واعتداءات العدو، لكن إرادة البقاء والاستمرار والعمل بإخلاص لجعل المنطقة مقصداً للسياح اقوى، وأملنا كبير بأن تلتفت الدولة الينا وتسلط الضوء على المنطقة خاصة مع انطلاق الحكومة الجديدة».