نتائج دراسة عملية للمركز اللبناني لحفظ الطاقة 290 ألف سخّان شمسي تغنينا عن معمل بقوة 100 ميغاوات

رائد الخطيب

لا تزال أزمة الكهرباء الشغل الشاغل للمسؤولين اللبنانيين، في ظل ارتفاع فاتورة المحروقات، واستمرار التقنين على غاربه في المناطق، والتجاذب السياسي حول سبل معالجة شؤون القطاع. وتبرز في هذا السياق، الدعوة للاستعانة بالطاقات المتجددة والحلول البديلة التي يمكن ان تخفف تكاليف انتاج الطاقة اللازمة للبنان، ومنها الطاقة الشمسية.
وقد تضمنت تقارير وزارية عدة الاشارة الى هذا الموضوع وجدواه الاقتصادية. وأخيرا، أكد المجلس الأعلى للخصخصة أنه "ينبغي النظر الى الطاقة المتجددة من هذا المنطلق الاستراتيجي، وليس فقط من منطلق تأمين القدرة الانتاجية الأساسية ( Base Load ). كذلك يشار الى ان الطاقة المتجددة قد تكون أكثر تكلفة للكيلووات ساعة، لكنها ستكون ولسنين طويلة مصدراً ثانوياً للكهرباء، فلا خوف من ان يزداد معدل تكلفة الانتاج كثيرا الاّ أن تطوير الأطر اللازمة لإشراك القطاع الخاص في هذا المجال، وتطوير الخبرات المحلية في التقنيات الحديثة لا بدّ وأن يكون ذا فائدة مهمّة على المدى البعيد".
ويشير أول تقرير من نوعه يصدر عن المركز اللبناني لحفظ الطاقة عن التقويم الطاقوي والاقتصادي، حصلت عليه "المستقبل" الى أهمية الطاقة الشمسية في تحقيق وفر على خزينة الدولة. ويقول إن لبنان بحاجة اليوم إلى تجهيز ما لا يقل عن 290 ألف سخان شمسي، لكي يتجنب تكلفة إنشاء معمل بقدرة 100 ميغاوات لإنتاج الطاقة الكهربائية.
وفي التقرير أن إنتاج 1 ميغاوات- ساعة من الطاقة الكهربائية في لبنان، يكلف الدولة الآن 200 دولار (أي 20 سنتاً لكل كيلوات ساعة)، فإن أي تجهيز لنظام سخان شمسي، سيعكس بالتالي وفراً كبيراً على المدى الطويل، فيما لو جرى الترويج والدعم لاستخدام هذه الأنظمة، ويقدر الوفر المحقق بنحو 415 دولارا على خزينة الدولة لكل جهاز، مما يعني أنه باستطاعة مؤسسة كهرباء لبنان دعم كل جهاز بـ 415 دولارا مدة سنة، أو 800 دولار مدة سنتين دفعة أولى لشراء السخان وتجهيزه من دون خَسارة مالية، أو عبر تحمل الأعباء التمويلية الطويلة الأمد لتجهيزه. إن القرض الطويل الأمد مدة ستين شهراً (5 سنوات) بقيمة 1200 دولار مقابل السخان يكلف رب المنزل 20 دولاراً في الشهر، وإذا قامت مؤسسة الكهرباء بتغطية أعباء خدمة الدين فقط على القرض، فسيكون الأمر لصالحها كثيراً عند الإنطلاق بأي برنامج في هذا الإتجاه.
ويلفت التقرير الى أن الوفر الأكبر من هذه الأنظمة يتحقق خلال فترة الصيف، أي خلال فترة الذروة القصوى في الطلب على الشبكة، مما يسهم في تحييد القدرة، وبالتالي تجنب الاستثمارات في قطاع الانتاج.
وتعدّ السخانات الشمسية إحدى الوسائل الحديثة لاستغلال الطاقة الشمسية لأغراض تسخين المياه في المنازل والتجمعات السكنية، وإحدى البدائل المتاحة لتسخين المياه على المازوت، والغاز أو الكهرباء. وقد شهدت صناعة السخانات الشمسية في العالم تطوراً كبيراً وهائلاً، خصوصا في السنوات القليلة الماضية، عبر التقنيات الحديثة والكفية بدلا من التقنيات التقليدية القديمة المستخدمة في صناعتها.
ويذكر أن لبنان، بدأ يلحق بالركب من خلال الجهود الكبيرة التي يبذلها المركز اللبناني لحفظ الطاقة، بالتنسيق والتعاون مع كل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان، ووزارة الطاقة والمياه، حيث نلحظ الدعم المطلوب، والذي أدّى إلى استقطاب عدد من الهبات الدولية، التي ترجمت في مشاريع نموذجية على مختلف الأراضي اللبنانية.
دراسة ونتائج عملية
ان دولاً عديدة درست بدقة احتساب الوفر المحقق الناتج من استخدام السخانات الشمسية، وفي لبنان اجريت دراسات مماثلة تعكس ظروفه المناخية. ففي 15 كانون الأول (ديسمبر) 2003، قدّمت جمهورية الصين الشعبية هبة للبنان، قوامها 500 سخان شمسي حراري، لدعم المناطق المحررة في الجنوب اللبناني، وقد أوكلت وزارة الطاقة والمياه أمر مهمات الإشراف والتنفيذ، وتركيب هذه السخانات إلى المركز اللبناني لحفظ الطاقة. وفي 12 تموز (يوليو) 2006، أنهى المركز عمليات التجهيز، وجرى تسليم 450 منظومة تسخين شمسي حرارية إلى المستفيدين في البلدات والقرى والمناطق الجنوبية كافة، بحسب توصيات الوزارة، واستنادا إلى موضوع الهبة، إلا أن عدوان تموز على لبنان أدى إلى تدمير ما لا يقل عن 190 سخاناً.
واقتصر تجهيز المنازل على تركيب السخان المنفرد، فيما شمل التجهيز أنظمة جماعية شملت 16 سخاناً لمستشفى صلاح غندور في بنت جبيل، و 18 سخاناً لمستشفى الشيخ راغب حرب في النبطية.
ومن أجل تحصيل ارقام دقيقة علميا وتقنيا، تم اعتماد تقنيات قياس متطورة مدة سنة كاملة، بالتكامل والتزامن مع حملة توعية وطنية شاملة، أقدم المركز اللبناني لحفظ الطاقة على تأمين ما يلزم من أدوات الرصد العلمي وتركيبها على أربعة مواقع جغرافية، ضمنها موقع في مدينة مرجعيون، ترمي إلى مراقبة وقياس عدة متغيرات تعكس جدوى أداء التجهيز وكفاية السخان الشمسي، وتأخذ في الحسبان الموقع الجغرافي والارتفاع عن سطح البحر لكل موقع.
يرتفع موقع مرجعيون 753 متراً عن سطح البحر، وهو منزل سكني مساحته 100 متر مربع، مؤلف من خمس غرف وحمامين. يستمدّ المسكن الطاقة الكهربائية كمشترك مع مؤسسة كهرباء لبنان بقدرة 20 أمبير، في ظل معدل وسطي 6 ساعات من التقنين الكهربائي في اليوم الواحد. ويستمد المسكن خلال أوقات التقنين الطاقة الكهربائية من مولّد خاص في المنطقة المجاورة. وقد ساهم صاحب المنزل، للحصول على جهاز السخان الشمسي بـ 250 دولارا عند تركيب الجهاز وبـ 200 دولار لرفع خزان المياه الأساسي عن مستوى خزان السخان الشمسي.
وتتكون العائلة من رب منزل موظف يغيب من التاسعة حتى الخامسة مساءً، وربة منزل لا تغيب عنه وتلميذين يغيبان من السابعة والنصف صباحاً حتى الثانية والنصف بعد الظهر. ويشير رب المنزل إلى نمط تواجد عائلته في المسكن على النحو التالي: تكون العائلة في المنزل خلال عطلة نهاية الأسبوع، ولا زوار على العشاء إلا نادراً، ولا ضيوف للنوم. ورزقت العائلة بطفل في أيار (مايو) 2007.
ويتألف سخان الهبة الصينية من خزان مياه سعة 208 ليترات مجهز بسخان كهربائي بقدرة 2 كيلوات، إضافة إلى 28 أنبوب لاقطة لحرارة الشمس (aperture) بمساحة 8،2 امتار مربعة، وبزاوية انحناء 40 درجة متجهة جنوباً، مركزة جميعها على هيكل التحميل ومرتبطة بجهاز إلكتروني للتحكم عن بعد. علماً أن كفاءة الجهاز الطاقوية تفوق 58 ومعامل الخسارة الحرارية لا يتخطى 9،5 وات لكل متر مربع ولكل درجة حرارية.
وتولى المركز اللبناني لحفظ الطاقة رصد المعطيات اللازمة، وضمنه أول تقرير من نوعه في لبنان، يقيم الأداء الطاقوي والاقتصادي لسخان شمسي في مسكن لعائلة واحدة في منطقة مرجعيون جنوب لبنان. وأعد التقرير أحمد حوري، حسين سلوم، أنور علي، عبد الكريم عبد الرازق، وليلى حوري.
وتشمل الأرقام تغيرات الطقس اليومية والشهرية، ومعدل الحرارة السنوي للموقع (18،1 درجة مئوية) ومعدل كمية الإشعاع الشمسي 1510كيلوات- ساعة لكل متر مربع في المنطقة.
وأشار التقرير إلى كميات الإستهلاك اليومية والشهرية، وإلى استهلاك سنوي معدله 13متراً مكعباً لكل شخص، أي 645 ليترا لكل متر مربع من مساحة المسكن. وفي ما يتعلق بالاستهلاك اليومي، فقد بلغ مقداره 35 ليترا للشخص الواحد، والذي يتطابق مع المعايير الدولية (35 - 50 ليترا). وبلغ المعدل السنوي للطاقة الحرارية المستهلكة عبر الماء الساخن 618 كيلوات - ساعة لكل شخص، أي 30،9 كيلوات - ساعة لكل متر مربع من مساحة المسكن.
وساهمت الطاقة الشمسية لتوفير المياه الساخنة اللازمة للمنزل بما لا يقل عن 3049 كيلوات - ساعة من الطاقة في السنة مقابل 3092 كيلوات - ساعة طاقة حرارية مجملة يؤمنها سخان كهربائي، أي أن نسبة 98،6 من مجمل الطاقة الحرارية اللازمة لتسخين المياه يمكن الحصول عليها من السخان الشمسي خلال السنة.
ومن خلال قراءة فواتير الكهرباء وبعد تركيب السخان الشمسي، يتبين أن مجمل الطاقة السنوية التي استهلكت في منزل مرجعيون بلغت 4204 كيلوات - ساعة تكلفتها المالية 270 دولارا، أي 6،4 سنتات لكل كيلوات - ساعة مستهلك، وباستعمال السخان الشمسي يحقق المنزل وفرا طاقويا كهربائيا مقداره 1776 كيلوات ساعة في السنة، أي ما نسبته 42 من الطاقة المجملة اللازمة للمنزل، ويعني هذا خفض فاتورة الكهرباء المجملة 113 دولار سنوياً.
وبعد دراسة التحليل المتعلق بتكلفة الطاقة الكهربائية، تبين أن الوفر المالي السنوي الفعلي (على أساس تعرفة واقعية بتكلفة 20سنتاً وليس 6.4 سنتات لكل كيلوات ساعة على المستهلك) تجاوز 610 دولارات، أي أن مدة سنتين تكون كافية لإسترداد قيمة السخان الشمسي من خلال الوفر المحقق فقط.
وبما أن إنتاج 1 ميغاوات - ساعة من الطاقة الكهربائية في لبنان يكلف الدولة اللبنانية الآن 200 دولار (أي 20 سنتاً لكل كيلوات ساعة) فإن أي تجهيز لنظام سخان شمسي مماثل، يؤمن بالتالي وفراً كبيراً على المدى الطويل لو تم الترويج والدعم لاستخدام هذه الأنظمة، لأن الوفر الذي تحقق بتحييد 3049 كيلوات - ساعة حراري خلال سنة في مثال مرجعيون، يستطيع أن يحقق وفرا كهربائياً بقيمة 415 دولاراً على خزينة الدولة لكل جهاز (على أساس20-6،4= 13،6 سنتاً خسارة لكل كيلوات ساعة×3049).
مما يعني أنه باستطاعة مؤسسة كهرباء لبنان دعم جهاز بـ 415 دولار لمدة سنة أو 800 دولار لمدة سنتين دفعة أولى لشراء السخان وتجهيزه من دون خَسارة مالية، أو عبر تحمل الأعباء التمويلية الطويلة الأمد لتجهيزه. إن القرض الطويل الأمد لمدة ستين شهراً (5 سنوات) بقيمة 1200 دولار مقابل السخان يكلف رب المنزل 20 دولاراً في الشهر، وإذا قامت مؤسسة الكهرباء بتغطية أعباء خدمة الدين فقط على القرض، فسيكون الأمر لصالحها كثيراً عند الإنطلاق بأي برنامج في هذا الإتجاه.
إن كمية الوفر التي تحققت تروّج تلقائيا لأهمية تجهيز نظم التسخين الشمسي على الأراضي اللبنانية كلها. ويشكل النظام الحالي مثالاً وسطياً مقبولاً في مطابقة النسب مع الأحوال المناخية المختلفة في لبنان.