يضيق البيت بالخبر: رئيس الجمهورية ميشال سليمان وقع طلب العفو الخاص عن يوسف شعبان، المحكوم بالاعدام المخفف إلى الاشغال الشاقة المؤبدة في العام 1994.
الرجل الذي حكم بقضية اغتيال النائب الأول للسفارة الأردنية في لبنان، نايب المعايطة، لم يستطع بكل الوسائل إعادة محكمته، بعدما حكمت محكمتان أردنيتان في العامين 2000 و2001 في القضية ذاتها، وقد نفيا أي دور لشعبان في جريمة الاغتيال. أكثر من طلب عفو في العهد السابق رفض.
مع وصول العماد ميشال سليمان إلى رئاسة الجمهورية، وتولي الوزير ابراهيم نجار حقيبة العدل، وُعدت محامية شعبان، مي الخنسا، خيراً. مذ ذاك، والأشهر تمر ببطء في حياة عائلة يوسف: زوجته وأولاده الثلاثة، وأمه وأشقائه. أمس الأول، كان بعضهم يزوره في مخفر جبيل. يوسف لم يكن متفائلاً بعد. أمس، كانت حنين تقف مشدوهة. لا تبكي ولا تضحك. جدتها كانت على ركبتيها، تقبل عتبة البيت وتبكي. دموع فرح. كلما بكت أمام هؤلاء المحتشدين في الصالون الصغير، إعلاميين ومهنئين، قالت بحياء إنها دموع الفرح.
هذه عائلة فلسطينية اختنقت «بالظلم». محاولاتها القانونية كلها باءت بالفشل. قهرها بلد اللجوء، لكن بعض البلد وقف إلى جانبها. منه، «المؤسسة اللبنانية للإرسال» التي كان من المستبعد أن تتبنى قضية فلسطيني، ساعدت فيها، إن عبر مقابلة الزميل مارسيل غانم مع شعبان في السجن، أو عبر تكليف رئيس مجلس الادارة بيار الضاهر محامياً لمتابعة الملف، قبل أن تعود الخنسا لاستلام الملف من دون أتعاب.
البارحة، كانت العائلة ممتنة لمن وقف معها من لبنانيين. أم يوسف حملت صورة سليمان، وزغردت له. وشقيقه إبراهيم، جلب علمين لبنانيين ورفعهما خلف المقعد حيث ترتفع صورة بطاقة يوسف، زرقاء عملاقة.
ابراهيم يهم بتقبيل المهنئين واحداً بعد آخر. هاتفه لا يهدأ. يحكي ويعطي الهاتف للوالدة التي لا تكف ولو للحظة عن الترحيب بالضيوف وشكر وسائل الاعلام والدعاء لله بأن يسامح القضاء، لأن يوسف بريء. إبراهيم يقاطع أمه بأن يعطيها الخلوي. «مارسيل»، تصرخ السيدة شاكرة الاعلامي المتصل مهنئاً. زوجته، آمال، تحلف بالله على المغادرين ألا يذهبوا من دون أن يتناولوا بقلاوة الفرحة. غير أن آمال نفسها سعيدة وحزينة في آن. لقد مضى من العقوبة الظالمة 16 سنة. هذا ليس إلا عمراً مسروقاً منها ومن أولادها ومن السجين الذي من المفترض أن يزوروه اليوم، وهي لا تعرف متى موعد عودته إلى بيته، لأن للفلسطينيين إجراءات خروج من السجن مختلفة عن تلك اللبنانية.
وهي تجهل ما إذا كان الخبر قد وصله أصلاً. حنين، التي نشطت في التذكير بقضية أبيها عبر صفحات على مواقع الانترنت، تتمنى لو أنها بنفسها تزف الخبر إليه. لكنها ترجح أنه عرفه.
هل هو فخور بابنته الجامعية وابنه الذي يدرس الهندسة المعمارية والثالث مصفف الشعر؟ «أكيد، وأنا فخورة به، لأنه رجل قوي وصلب وظل طوال هذه الأعوام كذلك». شعبان، بعد الاعتصام الأخير للعائلة، طلب منها أن تقلع عن التحركات. رأى أنها بلا أهمية. تحقق طلبه من حيث لا يدري. كان فأل خير. الاعتصامات ستتوقف الآن.
فرحة أم يوسف جارفة. تزغرد. آيويها الحمد لله يللا. ايويها زالت الهموم ان شاء الله. ايويها يوسف بدو يفوت البيت. ايويها النصر من عند الله. تضحك الجميع حين توجه كلامها إلى مراسل «المنار» يوسف شعيتو: «وريتك تسلم لي يا يوسف». يسلموا لي كل اليوسفات. «سورة يوسف»، السورة التي كانت تخصها له بينما هو في الجب الذي رمي فيه ظلماً.
يضيق البيت بالخبر، ويتسع بالفرح. السيدة الآتية بالورد والبقلاوة وجه معروف. سمر الحاج، زوجة اللواء علي الحاج، تعانق أم يوسف طويلا وتبكيان معاً وكثيراً. تغمر الحاج سعادة صادقة وهي تعيد تقبيل أم يوسف مرة بعد مرة. أنت البطلة تقول للخنساء قبل أن تجلس أم يوسف بين السيدتين وتحضنهما معاً. نفرح حين يخرج الابرياء من السجن، لكنهم ظلموا ويجب ان يعود حقهم إليهم، تقول الحاج. الخنسا، وكما أي محام يصل بموكله إلى الختام الحسن، تبدو فخورة. تضحك لمفارقة غريبة: هذه هي المرة الاولى التي يصدر فيها عفو عن بريء.
البريء عائد في قريب عاجل. والعائلة الفلسطينية أُنصفت أخيراً. أن يأتي العدل متأخراً، أفضل من ألا يأتي أبداً. ربما. لكن هذا العدل تأخر أكثر مما توقعت له المقولة. يوسف شعبان كان يرفض العفو. كان يصر على إعادة المحاكمة. حين أغلق الباب في وجهه، اضطر إلى القبول. الآن يعود حراً، ببطاقة زرقاء كتب عليها أنه ولد فلسطينياً لاجئاً في العام 1965.
يوسف شعبان دخل السجن بينما كان في التاسعة والعشرين. خرج منه في الخامسة والأربعين. كيف يعود عمره إليه؟
اثنين | ثلاثاء | أربعاء | خميس | جمعة | سبت | أحد |
---|---|---|---|---|---|---|
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 1 |
2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 |
9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 |
16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 |
23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 |
30 | 31 | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 |