عزف بوق) أحب هذا. شكرا. شكرا. أعتقد أن الكونغرس (الأميركي) بحاجة إلى واحد من هذه الأبواق. (ضحك). صوته جيد. يبدو مثل لوي آرمسترونغ أيام زمان.
طاب وقتكم جميعا. إنه لشرف لي أن أكون في أكرا وأن أتحدث إلى ممثلي شعب غانا. وأنا ممتن كل الامتنان للترحيب الذي لقيته، وكذلك ميشيل وماليا وساشا أوباما. تاريخ غانا غني، والروابط بين بلدينا متينة، وأنا فخور بأن تكون هذه أول زيارة لي لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بصفتي رئيسا للولايات المتحدة الأميركية.
أود أن أشكر السيدة رئيسة المجلس وجميع أعضاء مجلس النوّاب لاستضافتهم إيانا اليوم. وأريد أن أشكر الرئيس ميلز لقيادته المتميزة - والرئيس السابق جيري رولنغس والرئيس السابق كوفور - نائب الرئيس وقاضي القضاة - شكرا لكم جميعا لاستضافتكم الاستثنائية وللمؤسسات الرائعة التي بنيتموها هنا في غانا.
إنني أخاطبكم في ختام جولة طويلة. فقد بدأتُ من روسيا في قمة بين دولتين عظميين. وسافرتُ إلى إيطاليا لاجتماع مع قادة اقتصادات العالم الكبرى. وأتيت إلى هنا، إلى غانا، لسبب بسيط وهو: أن القرن الحادي والعشرين سيتشكل لا بمجرد ما يحدث في روما وموسكو وواشنطن، بل وبما يحدث في أكرا أيضا.
فهذه هي الحقيقة البسيطة في زمن تغلبت فيه الراوبط بين الشعوب على الحدود بينها. فازدهاركم يمكن أن يمتد ليطول رخاء أميركا. وعافيتكم وأمنكم يمكن يساهما في ما للعالم من عافية وأمن. وقوة ديموقراطيتكم يمكنها أن تساعد في تقدم الحقوق الإنسانية إلى الشعوب في كل مكان.
لذا أنا لا أرى بلدان أفريقيا وشعوبها بعيدة في عالم آخر. فأنا أعتبر أفريقيا جزءا أساسيا من عالمنا المتصل ببعضه – شريكا لأميركا باسم المستقبل الذي نريده لأبنائنا. وينبغي لتلك الشراكة أن تقوم على أساس من المسؤولية المشتركة والاحترام المتبادل، وهذا ما أود أن أتحدث إليكم عنه اليوم.
يجب علينا أن نبدأ من مقولة بسيطة هي أن مستقبل أفريقيا هو بيد الأفارقة.
أقول هذا وأنا مدرك تماما للماضي المأسوي الذي لازم هذا الجزء من العالم في بعض الأحيان. ففي عروقي يجري دم أفريقي، وينطوي تاريخ أسرتي بالذات على المآسي وفرح الانتصارات التي تحكي قصة أفريقيا الشاملة على السواء.
يعرف بعضكم أن جدي كان طاهيا للبريطانيين في كينيا، ورغم ما تمتع به من احترام في قريته كشخص مسنّ، إلا أن مستخدميه ظلوا لفترة طويلة من حياته ينادونه: "يا صبي". ومع أنه كان على هامش الكفاح من أجل تحرير كينيا إلا أنه سجن لفترة قصيرة في زمن ساد فيه القمع. ولم يكن الاستعمار في حياته مجرد شيء خلقته حدود غير طبيعية أو ظروف تجارية مجحفة – بل كان شيئا خبره شخصيا يوما بعد يوما وسنة بعد سنة.
نشأ والدي راعيا للماعز في قرية صغيرة على مسافة بعيدة، نائية عن الجامعات الأميركية حيث قدّر له أن يذهب ويحصل على تعليمه فيها. فقد بلغ رشده في لحظة وعد استثنائي من تاريخ أفريقيا. فالكفاح الذي خاضه جيل أبيه بالذات كان يتمخض عن ميلاد دول جديدة ابتداء من هنا في غانا. وكان الأفارقة يطلبون العلم ويثبتون وجودهم بطرق جديدة. فقد هب التاريخ وانطلق.
ولكن رغم ما تحقق من تقدم – إذ هناك تقدم كبير حصل في بعض أجزاء أفريقيا – نعلم أن قسما كبيرا من ذلك الوعد لم يتحقق بعد. فبلدان مثل كينيا، التي كان معدل دخل الفرد فيها أكبر مما كان لكوريا الجنوبية عندما ولدت أنا، تخلفت كثيرا وسبقتها (كوريا الجنوبية) بمراحل. واجتاحت الأمراض والصراعات أجزاء من القارة الأفريقية.
في كثير من الأماكن أخلى الأمل الطريق في زمن جيل أبي أمام فقدان الثقة والسخرية، وحتى اليأس. والآن من السهل توجيه أصابع الاتهام وتحميل الآخرين اللوم على هذه المشاكل. بلى، فالخريطة الاستعمارية التي ندر فيها المنطق ساعدت على توليد الصراع وغالبا ما عامل الغرب أفريقيا كربيبة يتفضل عليها ومصدر للموارد بدلا من شريكة. لكن الغرب ليس مسؤولا عن دمار اقتصاد زيمبابوي خلال العقد الماضي أو عن الحروب التي يُجند لها الأطفال كمقاتلين. وفي حياة أبي كان الوضع في جزء منه قبليا وفي آخر محسوبيا في كينيا المستقلة، وهو ما تسبب في تغيير مجرى حياته العملية لفترة طويلة، ونحن نعلم أن هذا النوع من الفساد لا يزال حقيقة من واقع الحياة اليومية لعدد أكبر من الكثيرين.
الآن نحن نعلم أيضا أن هذه ليست القصة كلها. فهنا في غانا، أنتم تظهرون لنا وجها لأفريقيا غالبا ما يتجاهله عالم لا يرى إلا المأساة والحاجة إلى الإحسان. فشعب غانا عمل بجد لإرساء الديموقراطية على أساس ثابت بتكرار الانتقال السلمي للسلطة حتى في أعقاب انتخابات متقاربة النتيجة ومختلف عليها. وبالمناسبة، هل أستطيع القول في هذا – إن الأقلية تستحق الفضل في هذا مثل الأكثرية. وأظهر اقتصاد غانا مع تحسن جودة الحكم ونهوض مجتمع مدني، معدلات نمو مدعاة للإعجاب.
صحيح أن هذا التقدم قد يفتقر إلى الطابع الدرامي لكفاح التحرير الذي تميز به القرن العشرون، ولكن لا يخطئن أحد بأنه سيكون الأهم في نهاية المطاف. فبقدر ما هو مهم الخروج من سيطرة دولة أخرى، فالأهم هو بناء الدولة بالذات.
ولذا فإنني أؤمن بأن هذه اللحظة واعدة لغانا – ولأفريقيا – مثلما كانت اللحظة واعدة عندما بلغ أبي رشده وكانت تولد دول جديدة. هذه لحظة جديدة بوعد عظيم. وتعلمنا في هذه المرة فقط أن مصير أفريقيا لن يقرره عمالقة من أمثال نكروما وكينياتا. فبدلا منهم، أنتم، الرجال والنساء في برلمان غانا والشعب الذي تمثلونه، نعم تستطيعون فعل ذلك. وسيكون الشباب – الزاخر بالمواهب والطاقة والنشاط والأمل – هو الذي يتمتع بالمستقبل الذي لم يدركه الكثيرون أبدا في الأجيال السابقة.
والآن، لكي نحقق ذلك الوعد، علينا أن ندرك أولا الحقيقة الجوهرية التي بعثتم فيها الحياة في غانا وهي: أن التنمية تعتمد على الحوكمة والحكم الرشيد. فذلك هو العنصر الحيوي الذي ظل مفقودا زمنا طويلا في كثير من الأماكن. إنه التغيير الذي يمكن أن يطلق طاقات أفريقيا. وهو مسؤولية لا يلبيها إلا الأفريقيون.
أما بالنسبة لأميركا والغرب، فينبغي أن يقاس التزامنا بأكثر من الدولارات التي ننفقها. صحيح أنني تعهدت بزيادة كبيرة في مساعداتنا الخارجية وهو في مصلحة أفريقيا ومصلحة الولايات المتحدة. لكن الدليل الصحيح على النجاح ليس ما إذا كنا مجرد مصدر مساعدة دائمة تعين الشعب على المعيشة بشق الأنفس، بل في ما إذا كنا شركاء في بناء القدرة على التغيير التحولي.
هذه المسؤولية المشتركة هي التي يجب أن تكون أساس شراكتنا. وسأركز في حديثي اليوم على أربع نواح حاسمة بالنسبة لمستقبل أفريقيا والعالم النامي كله وهي: الديموقراطية، والفرصة، والصحة، والحل السلمي للنزاعات.
أولا، يجب علينا أن ندعم الحكومات الديموقراطية القوية المستدامة.
كما سبق وقلت في القاهرة، كل دولة تبث الحياة في الديموقراطية بطريقتها الخاصة وانسجاما مع تقاليدها. لكنّ للتاريخ أحكاما جلية: فالحكومات التي تحترم إرادة شعوبها وتحكم بالإجماع لا بالإكراه، هي الأكثر رخاء وازدهارا، والأكثر استقرارا وأكثر نجاحا من التي لا تفعل.
وهذا يتخطى مجرد إجراء انتخابات – فهو أيضا معنيّ بما يجري بينها. فالقمع يتخذ اشكالاً عدة، وقد ابتلي كثير من الدول، حتى تلك التي تُجري انتخابات، بالمشاكل التي حكمت على شعوبها بالفقر. وما من بلد يقدر على تكوين ثروة إذا عمل قادته على استغلال الاقتصاد لإثراء أنفسهم، أو إذا كانت الشرطة يشتريها المتاجرون بالمخدرات. وليست هناك مؤسسة تجارية ترغب في الاستثمار في مكان تقتطع فيه الحكومة 20 في المئة من الأصل أو حيث يكون رئيس سلطة الموانئ فاسدا. وما من شخص يود أن يعيش في مجتمع تفسح فيه سلطة القانون السبيل أمام سلطة الوحشية والرشوة. فتلك ليست من الديموقراطية في شيء، ولو أُجريت انتخابات بين وقت وآخر، فهي طغيان وهذا أوان نهاية هذا الأسلوب من الحكم.
في القرن الحادي والعشرين، المؤسسات القديرة المعول عليها والشفافة هي أساس النجاح – أي برلمانات قوية وقوات شرطة شريفة، وقضاة وصحافيون مستقلون، وقطاع خاص ينبض بالنشاط ومجتمع مدني. هذه هي الأمور التي تجعل الحياة ديموقراطية، لأن هذا هو ما له حساب في حياة الناس اليومية.
الآن، لقد دأب الغانيون مرة بعد أخرى على اختيار الحكم الدستوري بدلا من الحكم الفردي(الأوتوقراطي) وأظهروا روحا ديموقراطية مكّنت طاقة شعبكم من الانطلاق. لقد شهدنا هذا في القادة الذين تقبلوا الهزيمة بكرم بالغ – وحقيقة أن معارضي الرئيس ميلز كانوا واقفين الى جانبه مساء أمس لاستقبالي عندما نزلت من الطائرة تملأ مجلدات عن غانا – وبالفائزين الذين يقاومون استعمال السلطة بالسلطة في مواجهة المعارضة لطرق غير نزيهة. ورأينا تلك الروح عند الصحافيين الجريئين مثل أنس أريمياو أنس الذي خاطر بحياته كي ينقل الحقيقة. رأيناها في شرطة مثل بيشانس كوايه والمساعدة في محاكمة أول مُتّجر بالبشر في غانا. ونراها في الشبان الذين يرفعون أصواتهم ضد المحسوبية ويشاركون في العملية السياسية.
لقد شهدنا عبر أفريقيا أمثلة لا تحصى من الناس الذين يمسكون بزمام مصيرهم ويحدثون التغيير من الأسفل إلى القمة. وفي كينيا شهدنا المجتمع المدني وقطاع الأعمال الخاصة يتضافران للمساعدة في وقف العنف الذي أعقب الانتخابات. وشهدناه في جنوب أفريقيا حيث أدلى أكثر من ثلاثة أرباع أهل البلاد بأصواتهم في الانتخابات الأخيرة – رابع انتخابات منذ نهاية الفصل العنصري. ورأينا ذلك في زيمبابوي حيث تحدت شبكة دعم الانتخابات القمع الوحشي لتقف مدافعة عن مبدأ أن صوت الفرد حق مقدس له.
والآن لا يخطئن أحد في أن التاريخ في صف أولئك الأفارقة الجسورين وليس إلى جانب أولئك الذين يستخدمون الانقلابات أو يغيرون الدساتير كي يضمنوا بقاءهم في الحكم. وأفريقيا ليست بحاجة إلى رجال يمارسون القوة بل إلى مؤسسات قوية.
وأميركا لن تسعى إلى فرض أي نظام من الحكم على أي بلد آخر – فالحقيقة الأساسية للديموقراطية هي أن تقرر كل دولة مصيرها بنفسها. لكن ما ستفعله أميركا هو أن تزيد المساعدة للأفراد الذين يتحلون بالمسؤولية والمؤسسات المسؤولة مع تركيز اهتمامنا في دعم الحكم الرشيد– في البرلمانات التي تمنع إساءة استغلال السلطة وتضمن سماع صوت المعارضة، وفي حكم القانون الذي يكفل المساواة في العدالة، وفي المشاركة المدنية بحيث يشارك الشباب، وفي الحلول الملموسة للفساد كالمحاسبة القضائية، وفي التشغيل التلقائي للخدمات، وفي تعزيز الخطوط الساخنة، وفي حماية من يبلغون عن الفساد وسوء الاستغلال ضمانا للشفافية والمحاسبة.
ونحن نقدم هذا الدعم. فقد أمرتُ حكومتي بأن تولي اهتماما أكبر بالفساد في تقريرنا عن حقوق الإنسان. إذ ينبغي للناس في كل مكان أن يتمتعوا بحق إنشاء شركات أو يحصلوا على التعليم بدون دفع رشاوى. وعلينا تقع مسؤولية دعم أولئك الذين يعملون بمسؤولية وعزل أولئك اللامسؤولين، وهذا تحديدا ما ستفعله أميركا.
والآن هذا يقود مباشرة نحو المجال الثاني للشراكة – وهو دعم التنمية التي توفر الفرص لعدد أكبر من الأشخاص.
وباتباع نظم أفضل للحكم، لا يوجد لدي أي شك في أن أفريقيا يكمن فيها وعد وجود قاعدة أرحب للازدهار والرخاء. والشاهد على ذلك النجاح غير العادي للأفارقة في بلدي أميركا. إن أحوالهم جيدة جدا. فلديهم مواهب وقدرات، ولديهم روح المغامرة والإقدام على المشروعات التجارية- والسؤال هو- كيف نتأكد من أنهم يحققون النجاح في دولهم الأصلية. إن القارة غنية بثرواتها الطبيعية. والأفارقة، ابتداء من تجار الهواتف المحمولة إلى صغار المزارعين، قد أظهروا القدرة والالتزام بخلق الفرص لأنفسهم بأنفسهم. لكن ينبغي أيضا كسر العادات القديمة. فالاعتماد على المواد الخام – أو على سلعة تصديرية واحدة – يركز الثروة في يد فئة محدودة، ويترك الشعب معرضا بدرجة كبيرة للانكماش الاقتصادي.
وفي غانا، على سبيل المثال، فإن النفط يجلب فرصا عظيمة، وقد تحليتم بالمسؤولية وأنتم تستعدون للحصول على عائدات جديدة. ولكن مثلما يعلم العديد من الغانيين، فإن النفط لا يمكن أن يصبح بمثابة "الكاكاو الجديد".فالتاريخ أثبت أنه من كوريا الجنوبية إلى سنغافورة، فإن الدول تنمو وتزدهر حينما تستثمر في الشعوب وفي بنياتها الأساسية؛ وحينما تشجع تعدد صناعة التصدير، وتعمل على إعداد قوة عمل ماهرة، وتوفر مساحة للمشروعات التجارية الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تخلق فرص العمل.
وفيما يواصل الأفارقة العمل من أجل تحقيق هذا الوعد، فإن أميركا يمكن أن تتحلى بقدر أكبر من المسؤولية وهي تمد يد المساعدة. إننا نريد خفض النفقات التي يتقاضاها المستشارون والإداريون الغربيون، لكي يمكننا أن نضع مزيدا من الموارد في يد من يحتاجون إليها، وفي الوقت نفسه ندرب الناس على فعل المزيد من أجل أنفسهم. وهذا هو السبب في أن مبادرة تأمين الغذاء التي خصصنا لها 3.5 مليارات دولار ينصب تركيزها على الأساليب والتكنولوجيات الجديدة للزراعة – ولا تقتصر على مجرد إرسال منتجات أو سلع أميركية إلى أفريقيا. فتقديم المعونة ليس هدفا نهائيا في حد ذاته. وإنما ينبغي أن يكون الهدف من المساعدات هو تهيئة الظروف بحيث تنتفي الحاجة إلى تلك المساعدات في نهاية المطاف. إنني أريد أن أرى الغانيين معتمدين على أنفسهم بالنسبة للغذاء، ليس هذا فحسب، وإنما أريد أن أراكم تصدّرون الغذاء إلى دول أخرى. نعم، إنكم تستطيعون تحقيق ذلك!
والآن، تستطيع أميركا أيضا أن تفعل المزيد من أجل تشجيع التجارة والاستثمار. فالدول الغنية ينبغي أن تفتح أبوابها للسلع والخدمات من أفريقيا بطريقة يكون لها مغزى. وهذا سيكون التزاما تتعهد به حكومتي. وحيثما يوجد حكم رشيد، يمكننا خلق قاعدة أعرض للازدهار والرخاء من خلال علاقات الشراكة بين القطاعين العام والخاص التي تستثمر في إنشاء طرق أفضل وإنتاج الطاقة الكهربائية؛ وبناء القدرات التي تدرب الناس وتعلمهم إنشاء وتنمية المشروعات التجارية؛ وتوفير الخدمات المالية بحيث لا تصل إلى المدن الكبرى فحسب، وإنما إلى المناطق الفقيرة والريفية. وهذا سيكون في مصلحتنا أيضا- لأنه إذا انتُشل الناس من وهدة الفقر ووُجدت الثروة في أفريقيا،- فماذا تتوقعون؟- ستكون هناك أسواق جديدة تُفتح لمنتجاتنا وبضائعنا نحن أيضا.
وهناك مجال آخر يمثل بالنسبة لنا خطرا لا يمكن إنكاره وهو في الوقت نفسه يمثل كذلك أملا واعدا لدرجة استثنائية، ألا وهو الطاقة. إن أفريقيا هي أقل مناطق العالم من حيث انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، لكنها في الوقت نفسه أكثر المناطق المهدّدة في العالم بتغيرات المناخ. ومع ارتفاع درجات الحرارة على سطح الكرة الأرضية تنتشر الأمراض، وتتناقص مصادر المياه وتفسد المحاصيل الزراعية، مما يهيئ الظروف لحدوث مزيد من المجاعات والنزاعات. إننا جميعا – وبصفة خاصة العالم المتقدم - علينا مسؤولية إبطاء تلك الاتجاهات – من خلال تخفيف حدتها والآثار المترتبة عليها، وتغيير الطريقة التي نستخدم بها الطاقة. لكننا نستطيع أيضا أن نعمل مع الأفارقة بحيث نحول هذه الأزمة إلى فرصة متاحة.
إننا نستطيع معا أن نكون شركاء في الدفاع عن كوكبنا وعن ازدهارنا، كما نستطيع أن نساعد الدول على توسيع نطاق قدرتها للحصول على الطاقة وفي الوقت نفسه تتخطى بقفزة واحدة المرحلة الصعبة في التنمية. وفي جميع أرجاء أفريقيا، توجد مصادر وفيرة للحصول على الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية؛ وأيضا من حرارة باطن الأرض والوقود الأحيائي. ومن منطقة الوادي المتصدع إلى منطقة الصحارى في الشمال الأفريقي؛ ومن الساحل الغربي للقارة الأفريقية إلى المحاصيل الزراعية لجنوب أفريقيا- فإن الهبات الطبيعية التي لا تُحصى لأفريقيا يمكن تكون مصدرا لتوليد احتياجاتها من الطاقة، وفي الوقت نفسه لتصدير الطاقة النظيفة التي تدر عليها أرباحا إلى الخارج.
إن هذه الخطوات ليست مجرد أرقام عن النمو في صفحة لموازنة الميزانية. إنها تتعلق بما إذا كان شاب متعلم يستطيع العثور على فرصة عمل تمكنه من إعالة أسرته؛ وبما إذا كان مزارع يمكن أن ينقل منتجاته إلى السوق؛ أو بما إذا كان مستثمر صغير لديه أفكار جيدة يمكنه أن ينشئ مشروعا تجاريا. إنها تتعلق بكرامة العمل. وتتعلق بالفرص التي ينبغي أن تُتاح للأفارقة في القرن الـ21.
ومثلما يمثل الحكم الرشيد عاملا حيويا من أجل إتاحة الفرص، فإنه عامل مهم وحيوي أيضا بالنسبة للمجال الثالث الذي أريد الحديث عنه وهو تعزيز الصحة العامة.
ففي السنوات الأخيرة، تحقق تقدم هائل في مناطق من أفريقيا. فقد تزايد بنسبة كبيرة عدد الأشخاص الذين يستطيعون أن يحيوا حياة منتجة رغم أنهم مصابون بمرض الإيدز أو الفيروس المسبب له "إتش آي في"، لأنهم يحصلون على الأدوية التي يحتاجون إليها. لقد شاهدت للتو عيادة رائعة – مستشفى متخصصة في الرعاية الصحية للأمهات. لكنّ هناك أشخاصا كثيرين آخرين ما زالوا يموتون نتيجة إصابتهم بأمراض كان من الممكن شفاؤهم منها. فحينما يموت الأطفال بسبب لدغة بعوضة، وحينما تموت الأمهات أثناء عمليات الوضع، فإننا ندرك حينئذ أنه لا بد من تحقيق مزيد من التقدم.
ولكن نظرا الى أن الحوافز – التي تقدمها عادة الدول المانحة- فإن العديد من الأطباء والممرضات الأفارقة يرحلون إلى الخارج، أو يعملون في برامج للقضاء على مرض واحد بعينه. وهذا يخلق فجوات في نظم الرعاية الصحية والوقاية الأساسية. وفي الوقت نفسه يجب على الأفارقة كأفراد أن يتخذوا القرارات المسؤولة التي تحول دون انتشار الأمراض، فيما يتم تحسين الصحة العامة في مجتمعاتهم وبلادهم.
وهكذا فإننا نرى في جميع أرجاء أفريقيا نماذج للأشخاص الذين يتعقبون تلك المشاكل. ففي نيجيريا، هناك جهد مشترك تم بالتعاون بين المسيحيين والمسلمين أصبح نموذجا للتعاون بين الأديان في مواجهة الملاريا. وهنا في غانا وفي أنحاء متفرقة من أفريقيا، نرى أفكارا مبتكرة لسد الفجوات في الرعاية الصحية – على سبيل المثال من خلال المبادرة المعروفة باسم المبادرة الإلكترونية للصحة التي تتيح للأطباء في المدن الكبرى دعم ومساعدة الأطباء في البلدات الصغيرة والقرى.
إن أميركا ستقدم الدعم لتلك الجهود من خلال استراتيجية شاملة للصحة العالمية. لأننا في القرن الـ21 مدعوون لأن نفعل ما تمليه علينا ضمائرنا وأيضا ما تمليه مصالحنا المشتركة. وحينما يموت طفل في أكرا نتيجة إصابته بمرض كان من الممكن شفاؤه، فإن ذلك يقلل من شأننا في كل مكان. وحينما يظهر مرض دون السيطرة عليه في أي ركن من أركان العالم، فإننا نعلم أن هذا المرض يمكن أن ينتشر عبر القارات والمحيطات.
إن حكومتي تعهدت برصد 63 مليار دولار من أجل مواجهة تلك التحديات. وبالبناء على الجهد القوي للرئيس بوش، فإننا سندفع إلى الأمام جهود مكافحة الإيدز والفيروس المسبب له "إتش آي في". وسوف نواصل السعي بهدف وقف الوفيات الناجمة عن الإصابة بالملاريا والسل، ونعمل من أجل القضاء تماما على شلل الأطفال. وسوف نكافح الأمراض الاستوائية المهمَلة منذ فترة طويلة. وإننا لن نواجه الأمراض وحدها في معزل – إنما سنستثمر في نظم للصحة العامة التي تعزز الأحوال الصحية، وتركز على صحة الأم والطفل.
وفيما نقيم علاقة الشراكة من أجل مستقبل تسوده صحة أفضل، ينبغي علينا أيضا أن نوقف الدمار الذي لا يسببه المرض، وإنما يسببه بنو البشر- وهذا هو المجال الأخير الذي سأتعرض له وهو: النزاعات.
اسمحوا لي أن أكون واضحا: إن أفريقيا ليست الرسم الكاريكاتوري الفج الذي يصورها على أنها قارة تعيش في حروب. ولكن إذا كنا أمناء وصرحاء، فحتى الآن ما زال النزاع أو الصراع بالنسبة للكثيرين من الأفارقة جزءا لا يتجزأ من الحياة، ثابتاً ومستمراً مثل وجود الشمس. وهناك حروب على الأراضي، وحروب على الموارد. وما زال من اليسير جدا على أولئك الذين لا ضمائر لهم أن يستغلوا مجتمعات بأكملها ويدفعوها نحو الحرب بين العقائد والعشائر.
هذه النزاعات قيد كحجر طاحون يطوّق عنق أفريقيا. إننا جميعا لدينا هويات متعددة – بانتماءات عشائرية أو عرقية؛ أو دينية وقومية. لكن تعريف شخص ما بأنه معارض لشخص آخر ينتمي إلى عشيرة مختلفة، أو يجل نبيا مختلفا، فهذا ليس له مكان في القرن الـ21. إن تنوع أفريقيا يجب أن يكون مصدرا للقوة، وليس مصدرا للفرقة. إننا جميعا عباد لله. ولدينا جميعا طموحات مشتركة- في أن نعيش في سلام وأمن؛ في الحصول على التعليم والفرص المتاحة؛ في أن نحب عائلاتنا، ومجتمعاتنا وعقيدتنا. وهذه هي إنسانيتنا المشتركة.
ولذا ينبغي علينا أن نتصدى لكل ما يخالف الإنسانية بين ظهرانينا. فلن يكون هناك ما يبرر على الإطلاق استهداف الأبرياء باسم الإيديولوجية أو العقيدة. وإنه سيكون بمثابة الحكم بإعدام مجتمع لو أُجبر الأطفال على القتل في الحروب. وسيكون أقصى علامات الإجرام والجُبن التنديد بالنساء اللاتي يتعرضن لعمليات اغتصاب وحشية متكررة. إننا ينبغي أن نكون شهودا على قيمة الطفل في دارفور وكرامة النساء في الكونغو. ولا توجد عقيدة أو ثقافة يمكنها الصفح عن الأعمال الفظيعة ضدهم. وإننا جميعا يجب أن نكافح من أجل السلام والأمن الضروريين من أجل التقدم.
إن الأفارقة على استعداد لمناصرة هذا المستقبل. وهنا أيضا غانا، فإننا نراكم وأنتم تساهمون في التوجيه إلى الطريق نحو الأمام. ويجب أن يفخر الغانيون بمساهماتهم في حفظ السلام من الكونغو إلى ليبيريا إلى لبنان، وبجهودهم من أجل مقاومة كارثة الاتجار في المخدرات. وإننا نرحب بالخطوات التي اتخذتها منظمات مثل الاتحاد الأفريقي وإيكواس (المنظمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا) من أجل حل النزاعات، وحفظ السلام، ودعم المحتاجين. وإننا نشجع تحقيق فكرة وجود هيكل قوي للأمن الإقليمي يكون بمقدوره جلب قوة فعالة تشارك فيها دول عدة للمساعدة حينما تدعو الضرورة.
إن أميركا عليها مسؤولية أن تعمل معكم كشريك لدفع هذه الرؤية نحو الأمام ليس بالأقوال فحسب، ولكن بدعم يعزز قدرات أفريقيا. وحينما تكون هناك إبادة جماعية في دارفور أو يكون إرهابيون في الصومال، فإن هذه لا تكون مشاكل أفريقية فحسب، وإنما تكون تحديات أمن عالمية وهي تتطلب استجابة عالمية. وإننا نقف على أتم الاستعداد للشراكة من خلال الديبلوماسية والمساعدات التقنية والدعم اللوجستي، وإننا سنقف وراء الجهود الرامية لمحاسبة مجرمي الحرب. واسمحوا لي أن أكون واضحا: إن قيادة قواتنا المختصة بأفريقيا ينصب تركيزها على مواجهة تلك التحديات المشتركة، لا على أن يكون لها موضع قدم في القارة ، وذلك من أجل دفع أمن أميركا وأفريقيا والعالم كله نحو الأمام.
وفي موسكو، تحدثت عن ضرورة وجود نظام دولي تُحترم فيه الحقوق العالمية لبني البشر، ويجابه فيه أي انتهاك لتلك الحقوق بالمعارضة. وهذا يجب أن يتضمن التزاما بدعم من يلجأون إلى الحلول السلمية للمنازعات، وتوقيع العقوبات ووقف من لا يفعلون ذلك، وتقديم العون لمن يعانون. ولكن في نهاية المطاف ستكون هناك نظم ديموقراطية زاخرة بالحياة مثل بوتسوانا وغانا التي تطوي أسباب النزاع، وتدفع جبهات السلام والازدهار نحو الأمام.
ومثلما قلت من قبل إن مستقبل أفريقيا هو بيد الأفارقة.
إن شعب أفريقيا مستعد للوصول إلى هذا المستقبل. وفي بلدي حقق الأميركيون الأفارقة – ومنهم الكثيرون من المهاجرين حديثا، نجاحات في كل قطاعات المجتمع. ولقد تمكنا من تحقيق ذلك رغم الماضي العسير، ولقد استمددنا القوة من تراثنا الأفريقي. وإنني أعلم أن أفريقيا يمكن أن تحقق أحلامها في نيروبي ولاغوس، في كيغالي وكينشاسا؛ وفي هراري وهنا في أكرا، بوجود مؤسسات قوية وإرادة قوية.
تعلمون، قبل 52 عاما كانت عيون العالم مركزة على غانا حينما كان يزور أكرا قسيس شاب اسمه مارتن لوثر كينغ، وكان العالم يتابع عَلَم الاحتلال وهو ينخفض وعَلَم غانا يصعد مكانه فوق البرلمان. وكان ذلك قبل مسيرة واشنطن أي قبل نجاح حركة المطالبة بالحقوق المدنية في بلادي. وعندما سئل الدكتور كينغ في أكرا عن شعوره وهو يشهد مولد أمة جديدة، قال: "إن ذلك جدد قناعتي بانتصار العدالة في نهاية المطاف".
والآن يجب تحقيق هذا الانتصار مرة أخرى. وأنتم الذين ستحققون ذلك. وإنني أوجه حديثي بصفة خاصة إلى الشباب. ففي جميع أرجاء أفريقيا وهنا في غانا، أنتم تمثلون أكثر من نصف تعداد السكان. وما ينبغي عليكم أن تكونوا على علم به هو: أن العالم سيكون على شاكلة ما تصنعونه أنتم.
أنتم تملكون القوة لمحاسبة زعمائكم، وبناء مؤسسات تخدم الشعب. ويمكنكم الخدمة في مجتمعاتكم، وحشد طاقاتكم وتعليمكم من أجل خلق ثروة جديدة، وبناء علاقات جديدة مع العالم. يمكنكم أن تقهروا المرض، وأن تنهوا النزاعات، وإجراء تغييرات من القاعدة إلى القمة. تستطيعون أن تفعلوا ذلك. نعم تستطيعون لأن التاريخ في اللحظة الراهنة قد هبّ وانطلق.
لكن كل هذه الأشياء لا يمكن إنجازها إلا إذا تحملتم مسؤولية مستقبلكم. وهذا لن يكون سهلا ولا يسيرا. إنه يحتاج إلى وقت وجهد. ستكون هناك معاناة ونكسات. ولكنني أستطيع أن أعدكم بأن أميركا ستكون معكم في كل خطوة على الطريق، كشريك وكصديق. إن الفرص لن تأتي من أي مكان آخر، وإنما ينبغي أن تأتي من القرارات التي تتخذونها، والأشياء التي تفعلونها، ومن الأمل الذي تكنونه في قلوبكم.
غانا، إن الحرية هي تراثكم. والآن فإن مسؤوليتكم هي البناء على أساس الحرية هذا. وإن فعلتم، فإننا بعد مرور سنوات من الآن سوف ننظر إلى الوراء، إلى أمكنة مثل أكرا، ونقول لقد كان ذلك هو الزمن الذي تحقق فيه الوعد- حينما يكون قد تحقق الازدهار؛ وتم التغلب على الألم؛ وبدأ عهد جديد للتقدم. وهذا سيكون الوقت الذي سنشهد فيه انتصار العدالة مرة أخرى. نعم نستطيع ذلك. شكرا لكم.
اثنين | ثلاثاء | أربعاء | خميس | جمعة | سبت | أحد |
---|---|---|---|---|---|---|
28 | 29 | 30 | 31 | 1 | 2 | 3 |
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 1 |