الحكومة تُبقي جرح الحرب مفتوحاً!

التعويضات لم تُستكمَل بعد 3 سنوات... المصانع والمزارع خارج الاهتمام
آثار حرب تموز لا تزال على البيوت المدمَّرة والمصانع والبساتين، فالتعويضات لم تُستكمَل بعد 3 سنوات من هذه الحرب، فيما عدد من المصانع التي لا تتجاوز أصابع اليد، استفاد من آلية المساعدة عبر مصرف لبنان... ولا يزال القطاع الزراعي خارج إطار الاهتمام الحكومي!

رشا أبو زكي
3 أعوام على حرب تموز، ولا يزال إعمار القرى والبلدات وتعويضات المتضررين في مرتبة متأخرة على سلّم الاهتمامات الحكومية. ومع تجدد ذكرى الحرب السنوية، تتقاطر البيانات والتصريحات من الجهات المعنية، لتنتهي بمفاد واحد: تداعيات الحرب لم تنته! فالهيئة العليا للإغاثة تؤكد في بيان أصدرته أمس في الذكرى الثالثة لعدوان تموز أنها سددت 93 في المئة من المساعدات، فيما لم يبق سوى 36 مليون دولار تُسدَّد بعد استكمال المعاملات من أصحابها، لافتة إلى أنها صرفت المساعدات العربية كلها، فيما سددت من تعهدات الدولة اللبنانية مبالغ لما يزيد على 113 ألف وحدة سكنية... إلا أن هذه الأرقام لا تخفي وجود تقصير عام في التعاطي مع تداعيات حرب تموز، فعدد كبير من المتضررين لم يتسلموا حتى الآن تعويضاتهم كاملة، لا بل إن بعضهم لم يحصلوا على الدفعة الأولى من التعويضات، وفيما يبرز تطور في إنجاز إعمار 76 قرية متبناة من 9 دول عربية، تعود الأنظار إلى القطاعات الاقتصادية، وخصوصاً الصناعية والزراعية، التي مُنيت بخسائر ضخمة ولا تزال حتى الآن ضحية التجاهل الحكومي!

■ إنجازات وإخفاقات

تشير الهيئة العليا للإغاثة في بياناتها إلى أنه أُعيد تأهيل 97% من البنى التحتية، فيما سُدِّدت جميع الأموال والدفعات التي تسلمتها الهيئة من الدول والهيئات الواهبة، المخصصة لمساعدة أهالي القرى والوحدات السكنية المتضررة، وقد تسلّمت الهيئة طلباتها من كل من مجلس الجنوب وصندوق المهجرين عبر الاستشاري الهندسي خطيب وعلمي لغاية تاريخ 30 حزيران 2009. وبلغ مجموع المبالغ المدفوعة على حساب تلك الدول والجهات 460 مليون دولار أميركي، وهو ما يمثّل أكثر من 93% من إجمالي المبالغ الملتزم بها لمساعدة المتضررين في وحداتهم السكنية المتبناة من الدول والهيئات المانحة.
هذا يعني أن الرصيد الباقي من المبالغ التي رصدتها الدول والهيئات المانحة لدفعها في مساعدات لأصحاب الوحدات السكنية المدمرة أو المتضررة والموجودة بتصرف الهيئة لا يتعدى 36 مليون دولار، على أن يصار إلى دفعها حالما يتقدم أصحاب تلك الوحدات السكنية بما بقي عليهم تقديمه من ملفات ومستندات لاستكمال المعاملات اللازمة لقبضها.
أما في ما يتعلق بما التزمت به الحكومة اللبنانية في مجال تقديم المساعدات لأصحاب الوحدات السكنية، فقد سُدِّد 216 مليون دولار من أصل حوالى 301 مليون دولار، أي ما نسبته 72% من إجمالي المبالغ المستحقة، ويبقى مبلغ في حدود 85 مليون دولار يجب سداده لأصحاب الوحدات السكنية المدمرة أو المتضررة حالما تستكمل الملفات والمستندات.
ولفتت الهيئة إلى أنها عالجت ما يزيد على 113 ألف وحدة سكنية من الوحدات السكنية التي تحملت مسؤولية مساعدة أصحابها وذلك لغاية 30 حزيران 2009، إضافة إلى دفعات على الحساب على شكل سلف خزينة من الدولة اللبنانية ما مجموعه 676.27 مليون دولار في مساعدات لأصحاب الوحدات السكنية المتضررة في الجنوب والضاحية وباقي أنحاء لبنان.
وقد بلغ مجموع المبالغ المدفوعة حتى 30 حزيران 2009 عن أعمال الإغاثة العاجلة 202.71 تحملت الهيئة العليا للإغاثة من أصلها مبلغ 116.69 مليون دولار. وبالتالي فإن مجموع المبالغ التي تحملتها الخزينة اللبنانية من كلفة أعمال الإغاثة العاجلة وحصتها في عملية تقديم المساعدات لأصحاب الوحدات السكنية المدمرة والمتضررة حوالى 433 مليون دولار وذلك حتى 30 حزيران 2009 دفع من أصلها حوالى 332 مليون دولار ويبقى ما يعادل 100 مليون دولار.

■ تشكيك في الأرقام

وتشير الهيئة العليا للإغاثة إلى أن الدولة اللبنانية التزمت دفع مبالغ في الجنوب وباقي المناطق بحوالى 48.46 مليون دولار، دفعت منها 45.96 مليون دولار، فيما التزمت دفع 253 مليون دولار في الضاحية الجنوبية (تشمل الأشغال والتعويضات)، وسددت منها 170 مليون دولار ليبقى من الدفعات 83 مليون دولار.
وهنا يؤكد المدير العـام لمشروع «وعـد» حسـن جشـي لـ«الاخبار» أن قيمة مستحقات الدولة في التعويض على السكان المتضررين في الضاحية الجنوبية وصلت إلى 180 مليون دولار، سددت منها الحكومة 78 مليوناً و500 ألف دولار ليقى أكثر من 100 مليون دولار، لافتاً إلى أن التعميم بأنه لم يبق للضاحية سوى 83 مليون دولار غير منطقي، إذ إن سكان 37 مبنى مرخصاً وغير مفرز في الضاحية لم يحصلوا حتى الآن حتى على الدفعة الأولى من التعويضات، فيما الدولة سددت 80% فقط من الدفعة الأولى من التعويضات، وبدأت بسداد خجول للدفعة الثانية قبل استكمال المرحلة الأولى!
ولفت جشي إلى أن وعد أنجزت 45 مبنىً من أصل 242 مبنى حتى الآن، ومن المفترض إنهاء الأعمار في 35 مبنى مع نهاية شهر آب المقبل، ليصل عدد المباني المنجزة إلى 100 في نهاية عام 2009، لافتاً إلى وجود تأخير في إعادة إعمار الضاحية لأسباب عديدة: وجود إرباكات محدودة في عمل المتعهدين، وتذبذب وضع العمالة الأجنبية بحسب الأوضاع السياسية، إضافة إلى أسباب تتعلق بآلية عمل الحكومة في هذا الملف، لافتاً إلى أن وعد مستمرة في برنامج إيواء، بحيث تسلم السكان المتضررين 4 آلاف دولار سنوياً، إلى حين إنجاز إعادة إعمار مساكنهم.

■ تقصير حكومي

ويشير وزير المال محمد شطح لـ«الأخبار» إلى أن التقصير في سداد كامل التعويضات للمتضررين من حرب تموز يعود إلى عدم القدرة على سداد كامل الأموال من الخزينة، لافتاً إلى أن الحكومة أقرت دفع ما بقي من التعويضات بعد صرف حوالى 500 مليون دولار سندات خزينة، إلا أن هذا الطرح يحتاج إلى مجلس النواب، لافتاً إلى أن هذا الخيار سيعمل به إذا لم تستطع الحكومة الحصول على هبات أو مساعدات خارجية لاستكمال ملف حرب تموز.
إلا أن جشي يشير إلى مشكلات عديدة في عمل الحكومة تتعدى حدود السيولة المالية، إذ يلفت إلى أنّ من المفترض أن تهيئ الحكومة المباني والأرض لإعادة البناء، إذ إن إعادة الإعمار تحتاج إلى حفر وتدعيم الشوارع المحيطة لرفع الأنقاض من الطوابق السفلية للمباني، لكن الحكومة اللبنانية لم ترصد ميزانية لعملية التدعيم هذه.
ومن جهة أخرى، تمتنع الحكومة عن تعويض أصحاب المباني غير المفرزة على الرغم من أنها حاصلة على تراخيص بناء، وهي موجودة في إفادات شركة خطيب وعلمي، وكذلك لم تعمل الحكومة على إنجاز البنى التحتية للمباني التي أُعيد إعمارها، إذ لا إمدادت للكهرباء والمياه والصرف الصحي... كذلك إن الاستملاكات في الضاحية لا تتعدى كلفتها 5 ملايين دولار.
أما الموضوع الأبرز فهو عدم التزام الدولة بالقوانين، إذ إنها رفضت مبدأ توكيل المواطنين لـ«وعد» في عملية الحصول على الأموال للبدء في الإعمار، على الرغم من صدور حكمين عن مجلس شورى الدولة يلزمان الحكومة بالعمل وفق هذه التوكيلات.

■ لا صناعة ولا زراعة

أما في ما يتعلق بالقطاعات الإنتاجية، فهي لا تزال خارج أي اهتمام م الحكومة. ففي مطلع شهر أيار من عام 2007، صدر تعميم عن مصرف لبنان إلى المصارف التجارية، لتوفير قروض لهذه المؤسسات بعد دراسة ملفاتها من جانب المصارف المعنية لتحديد قيمة التمويل المطلوب... على أن يتحمل أصحاب المؤسسة 20 في المئة من هذه القيمة، ويموّل المصرف 20 في المئة بفائدة ميسرة، فيما تموّل الحكومة 60 في المئة في تعويض للمؤسسة تسدد إلى المصارف بواسطة سندات خزينة... وتلتزم المصارف في المقابل إعادة جدولة الديون السابقة المترتبة على زبائنها المتضررين...
إلا أن هذا التعميم جوبه بانتقائية المصارف التجارية في التعاطي مع الملفات الصناعية، لتنتهي القضية بعد سنتين من إصدار المرسوم بإفادة عدد قليل جداً من المصانع من مضمون التعميم! وفي هذا الإطار، يلفت رئيس جمعية الصناعيين فادي عبود، إلى أن خسائر القطاع الصناعي تُقدَّر بـ 250 مليون دولار فيما تعاون المصارف التجارية مع تعميم مصرف لبنان ضئيل جداً، ما أدى إلى عدم حصول أكثرية المتضررين من أصحاب المصانع على المساعدات المطلوبة.
ولفت إلى أن المصارف التجارية تتعاطى مع الملفات المقدمة بحسب الشخص الذي يقدم الطلب، وحجم الأملاك التي يملكها، لا بل يوجد عدد كبير من الملفات لدى المصارف التجارية لم تقدمها بدورها إلى مصرف لبنان! مشيراً إلى أنه ليس في البقاع سوى مستفيد واحد من التعميم، وكذلك في الجنوب.
وأشار عبود إلى أن هذا الواقع أدى إلى تراجع في حجم الإنتاج الوطني وأثّر سلباً على الحركة الصناعية.
أما القطاع الزراعي فقُدِّرت خسائره من جراء حرب تموز بعشرة ملايين دولار، إلا أن الحكومتين اللتين تعاقبتا بعد حرب تموز، لم تُعدّا أي ملف لتعويض المزارعين المتضررين، ولم تلتفتا إلى عدد كبير من المزارعين الذين قضوا أو جرحوا من جراء القنابل العنقودية المزروعة في بساتينهم وحقولهم.

36،23 مليون دولار

هو حجم الأموال الباقية من الدول العربية المانحة ولم تسدّد حتى اليوم، إذ التزمت دول الكويت والسعودية والبحرين وعمان وأندونيسيا والعراق بدفع 496.54 مليون دولار لتعويض المتضررين في القرى، فدفعت منها 460.31 مليون دولار.

لا مسح للأضرار الزراعية

تتفاوت تقديرات الخسائر الزراعية الناتجة من حرب تموز، بسبب عدم اهتمام الحكومة بإجراء مسح جدّي للأضرار، بحيث أهملت الحكومة الأزمة التي مني بها القطاع، ولم تكلّف الجيش أو الهيئة العليا للإغاثة بالكشف على الأضرار الزراعية، إذ يقدّر تقرير وزارة الزراعة الذي استندت إليه منظمة «الفاو» أن قيمة الأضرار تفوق 280 مليون دولار، بينما حددت جردة مركز الأبحاث والتوثيق الأضرار بـ100 مليون دولار، أما دراسة المزارعين فقدّرت حجم الخسائر بـ150 مليون دولار.